کد مطلب:39892 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:265
أمسی الفتی عمرو بن ودّ یبتغی[1] . ولقد وجدتَ سیوفنا مشهورةً ولقد رأیتَ غداةَ بدرٍ عُصبةً أصبحتَ لا تُدعی لیوم عظیمةٍ وقالت اُخت [6] عمرو وقد نعی إلیها أخوها عمرو: من (ذا الّذی) اجترأ علیه (فقتله)؟ فقالوا: علیّ بن أبی طالب، فقالت: كفؤٌ كریم، وأنشدت تقول: أسدان فی ضیق المَكرّ[7] تصاولا فتخالسا مُهجَ النفوس كلاهما وكلاهما حضر القراع حفیظةً فاذهب علیٌّ فما ظفرتَ [8] بمثله ثمّ قالت: واللَّه لا ثأرت قریش بأخی ما حنّت النوق [10] وقالت اُمّ عمرو ترثیه: لو كان قاتل عمرو غیر قاتله لكن قاتله ما[12] لا یُعاب [13] به من هاشم فی ذراها وهی صاعدة قومٌ أبی اللَّه إلّا أن تكون لهم یا اُمّ كلثوم أبكیه ولا تدعی فأسلاها وعزّاها وهوّن علیها قتل ولدها جلالة القاتل، وافتخرت بكون ولدها مقتولاً له. ومنها: وقعة الجمل [17] ثمّ صفّین [18] الّتی كانت كلّ واحدة منهما أمر من الحنظل والدفلا، وأقامت النوادب، وأجرت الدموع السواكب علی اُلوف من القتلی، وألبست الأجساد أثواباً من الأحزان لا تخلق ولا تبلی، وكم قد تركت كلّ واحدة منهما نساءً أیمی واُخریات ثكلی . ذكر حَمَلة[19] الأخبار وأصحاب المقالات من أهل التاریخ: أنّ البیعة[20] لمّا عقدت لعلیّ بن أبی طالب علیه السلام بملأ من المهاجرین والأنصار وذلك بعد أن اقامت المدینة خمسة أیام بعد قتل عثمان [21] وأمیرها الغافقی ابن حرب العكی [22] مقدم المصریّین الّذین قصدوا عثمان بالمدینة، وأصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله یتردّدون[23] إلی علیّ علیه السلام لأجل المبایعة ویقولون له: لابدّ للناس من إمام [24] ، وهو یقول: لا حاجة لی فی أمركم مَن اخترتموه [25] رضیتُ به، فقالوا: ما نختار غیرك و (إنّا) لا نعلم أحداً أحقّ بهذا[26] الأمر منك ولا أقدم سابقةً ولا أقرب قرابةً من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله، فقال: فإن كان (و)لابدّ ففی المسجد فإنّ بیعتی (لا) تكون خفیةً. وكان كلامهم له (رض) فی بیته [27] وقیل: فی حائط لبنی عمرو بن مبذول [28] . فخرج إلی المسجد[29] فقام إلیه الناس فبایعوه، وكان أوّل من بایعه طلحة بن عبیداللَّه [30] فنظر إلیه رجل یقال له حبیب بن ذؤیب [31] فقال: إنّا للَّه وإنّا إلیه راجعون، أوّل ید بایَعّت ید شلّاء، لا یتمّ هذا الأمر[32] . ثمّ بایعه الزبیر[33] (رض) ثمّ بقیة الصحابة بعد ذلك من المهاجرین والأنصار غیر نُفَیرٍ[34] یسیر، فإنّهم لم یبایعوه فی ذلك الوقت لأنهم كانوا عثمانیة[35] منهم: محمّد بن مسلمة[36] ، والنعمان بن بشیر[37] ، ونافع [38] بن خدیج، وفضالة بن عبیدة، وكعب بن عجرة، وصهیب بن سنان، واُسامه بن زید. وكانت البیعة لعلی رضی الله عنه یوم الجمعة لخمس بقین من ذی الحجّة سنة خمس وثلاثین من الهجرة[39] ، فما كان من النعمان بن بشیر فإنه أخذ قمیص عثمان الّذی قُتل فیه مضرّجاً بالدم، وأخذ أصابع ید زوجته نائلة[40] الّتی قُطعت حین مدّت یدها دونه، وهرب بها إلی الشام إلی معاویة[41] وأمّا طلحة بن عبیداللَّه [42] والزبیر فإنّهما هربا إلی مكة بعد المبایعة بأربعة أشهر[43] . ثمّ إنّ علیّاً فرّق عمّاله علی البلدان وكتب إلی بعض عمّال عثمان لیستقدمهم علیه، وكتب إلی معاویة بن أبی سفیان أیضاً كتاباً یستقدمه فیه وكانت صورة الكتاب:«من عبداللَّه (علیّ) أمیر المؤمنین إلی معاویة بن أبی سفیان [44] ، أمّا بعد، فإنّه [45] (إن) كان عثمان ذا حقّ وقرابة (فإنی ذو حقّ وقرابة)ألا (و)إنّ اللَّه تعالی قلّدنی أمر الناس عن مشاورة من المهاجرین والأنصار، ألا وإنّ الناس تبع لهم فیما رأوا وعملوا وأحبّوا وكرهوا، فالعجل علیَّ ثمّ العجل فإنّی قد بعثت إلی جمیع العمّال لأعهد إلیهم واُقلّدهم من ذلك ما قلّدت، أستبرئ من [46] ذلك دینی وأمانتی، لأ نّی لم أجد من [47] تلك بّداً فأقدم إلیَ [48] مع أشراف أصحابك عند وقوفك علی كتابی هذا إن شاء اللَّه تعالی »[49] . فعند فراغة من كتابة الكتاب جاء[50] المغیرة بن شعبة[51] فقال: ما هذا یا أمیر المؤمنین؟ قال: كتاب كتبته إلی معاویة أستقدمه فیه واُرید أن أبعث به إلیه رسولاً[52] ، فقال: یا أمیر المؤمنین عندی لك نصیحة فاقبلها منّی، قال: هات، قال: إنّه لیس أحد یتشغّب علیك غیر معاویة وفی یده الشام وهو ابن عمّ عثمان وعامله، فابعث إلیه بعهده تلزمه طاعتك، فإذا استقرّت قدماك رأیت فیه رأیك [53] فقال علیّ كرّم اللَّه وجهه: یمنعنی من ذلك قول اللَّه تعالی : (وَ مَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّینَ عَضُدًا)[54] واللَّه لا یرانی اللَّه مستعیناً بمعاویة أبداً ولكنّی أدعوه إلی ما نحن علیه فإن أجاب وإلّا حاكمته إلی اللَّه تعالی [55] . فخرج عنه (المغیرة[56] ) وقال: نبیت [57] هذا الیوم (واصبر) إلی غدٍ آتیك إن شاء اللَّه تعالی ثمّ ننظر ماذا یكون. فلمّا كان من الغد جاءه المغیرة بن شعبة وقال له: یا أمیر المؤمنین، إنّی قد جئتك بالأمس وأشرت علیك بما أشرت وخالفتنی فیه، ثمّ إنّی بتّ لیلتی هذه فرأیت أنّ الرأی ما رأیت فأرسل إلی معاویة بالكتاب الّذی كتبته فإن قدم وإلّا فاعزله فهو أهون شوكة وأضیق عطناً وولّ من تثق به، قال: أفعل إن شاء اللَّه تعالی، فخرج عنه المغیرة بن شعبة وهو یقول: نصحت علیّاً فی ابن هند نصیحة[58] . وقلت [60] له أرسل إلیه بعهده ویعلم أهل الشام إن قد ملكته فتحكم فیه ماترید[62] فإنّه فلم یقبل النصح الّذی جئته به[64] . ثمّ إنّ المغیرة بن شعبة هرب إلی مكّة وكان یقول: نصحت علیّاً فلمّا لم یقبل غششته [65] . وعن ابن عباس (رض) قال: أتیت علیّاً (رض) بعد مبایعة الناس له فوجدت (عنده): المغیرة بن شعبة مستخلیاً به فقلت له بعد أن خرج (من عنده): ما كان یقول لك هذا؟ فقال: قال لی قبل یومه [66] : إنّ لك حقّ الطاعة والنصیحة، وأنت بقیة الناس وإنّ الرأی الیوم یحرز ما فی غدٍ وإنّ الضیاع الیوم یضیع به ما فی غدٍ، واُشیر علیك بشور وهو: أن تقرر معاویة، وابن عامر، وعمّال عثمان علی عملهم حتّی تأتیك بیعتهم وتسكین الناس، ثمّ اعزل من شئت منهم وابقِ من شئت، فأبیت علیه [67] ذلك وقلت: لا اُداهن فی دینی ولا اُعطی الدنیة فی أمری، قال: فإن كنت أبیت علیَّ فانزع من شئت واترك معاویة فإنّ لمعاویة جرأة وهو فی أهل الشام یطیعونه ویسمعون منه، وتلك حجّة فی إبقائه فإنّ عمر بن الخطّاب ولّاه الشام فی خلافته، فقلت: لا واللَّه لا أستعمل معاویة یومین، فانصرف من عندی وأنا أعرف منه أنّه یری أ نّی مخطئ، ثمّ عاد إلیَّ الآن فقال: إنّی أشرت إلیك أوّل مرّة بالّذی أشرت وخالفتنی [68] فیه ثمّ رأیت بعد ذلك أن تصنع الّذی رأیت أن تعزل من تختار وتستعین بمن تثق به فقد كفی باللَّه تعالی وهو أهون شوكة وأقلّ عدداً. قال ابن عباس رضی الله عنه: فقلت لعلیّ علیه السلام: إنّما المرّة الاُولی فقد نصحك، وأمّا المرّة الثانیة فقد غشّك [69] . قال: وكیف نصحُه لی؟ قلت: لأنّ معاویة وأصحابه أهل دنیا فمتی أثبتهم وأبقیتهم علی عملهم لا یبالون من ولّی هذا الأمر، ومتی تعزلهم یقولون أخذ هذا الأمر بغیر شوری [70] ، وهو قتل صاحبنا[71] ، ویؤلبون [72] علیك فینتقض علیك أهل الشام وأهل العراق مع أ نّی لا آمن طلحة والزبیر أن یكرّا[73] علیك، وأنا اُشیر علیك أیضاً أن تثبت [74] معاویة فإن بایع فلك علیَّ أن اُقلعه من منزله، فقال علیٌّ (رض): لا اُعطیه إلّا السیف [75] ، ثمّ تمثّل بقول القائل: وما میتة إن مُتُّها غیرُ عاجِزٍ فقلت: یا أمیر المؤمنین أنت رجل شجاع لست بصاحب رأی [77] فی الحرب، أما سمعت قول رسول اللَّه صلی الله علیه وآله (یقول): الحرب خدعة؟ فقال (علیّ): بلی، فقلت (فقال ابن عباس): وأیم اللَّه، لئن أطعتنی لأصدرنّ منهم [78] بعد الورود علی ما فی نفسك، ولأتركنّهم ینظرون فی أدبار الاُمور ولا یعرفون ما كان وجهها[79] فی غیر نقصان علیك ولا إثم لك. فقال: یابن عباس لست من هنیهاتك ولا من هُنیهات معاویة فی شی ء، فقال ابن عباس (رض): فقلت له: أطعنی فی شی ء، الحق بمالك بینبع واغلق بابك علیك فإنّ العرب تجول جولة وتضطرب فلا تجد غیرك، ولا تنهض مع هؤلاء القوم، فلئن نهضت معهم لیحملنّك دم عثمان (غداً)فأبی ذلك منّی. وقال: لك أن تشیر علیَّ وأری فإذا عصیتك فأطعنی. قال: فقلت له: أفعل فإنّ أیسر ما لك عندی الطاعة[80] وإنّی باذلها لك، فقال له علیّ (رض): اُرید منك أن تسیر إلی الشام فقد ولّیتكها[81] ، فقال ابن عباس: ما هذا برأیٍ، معاویة رجل من بنی اُمیة، وهو ابن عمّ عثمان وعامله، ولست آمن أن یضرب عنقی بعثمان، وأنّ أدنی ما هو صانع بی وإن أحسن إلیَّ أن یحبسنی ویحتكم فیَّ لقرابتی منك، وكلّما حمل علیك حمل علیَّ، ولكن أرسل إلیه الكتاب الّذی كتبته تستقدمه[82] فیه وانظر ماذا یجیب. قال: فأرسل إلیه علیٌّ (الكتاب) مع بشیر الجهنی [83] ، فلمّا قدم علی معاویة بالكتاب فأخذه منه ووقف علی ما فیه ولم یُجب علیه بشی ء. وكلما تنجز جوابه لم یزده علی قوله: أدِم إدامةَ حصن أو جِداً[84] بیدی فی جاركم وابنكم إذ كان مقتله أعیی [88] المَسودُ بها والسیِّدون فلم حتّی إذا كان الشهر الثالث من مقتل عثمان وفی أواخر صفر دعا معاویة برجل [90] من بنی عبس، فدفع إلیه طوماراً[91] مختوماً علی غیر كتابة لیس فی باطنه شی ء وعنوانه: من معاویة بن أبی سفیان إلی علیّ بن أبی طالب علیه السلام، وقال للعبسی: إذا دخلت بالمدینة[92] فادخلها نهاراً واعط علیاً الطومار علی رؤوس الناس، فإذا فضّه وفتحه إلی آخره ولم یجد فیه شیئاً فتراه یقول لك: ما الخبر؟ فقل له كیت وكیت بكلام أسرّه إلی (ال)رسول. ثمّ دعا معاویة بشیر الجهنی رسول علیّ فجهّزه مع رسوله فخرجا جمیعاً فقدما المدینة فی الیوم الثامن [93] من شهر ربیع الأوّل، فرفع رسول معاویة الطومار علی یده عند دخوله المدینة، وتبعه الناس ینظرون ما أجاب (به)معاویة،وعلموا أ نّه یتعرّض ویتشغّب، فدخل الرسول علی علیّ بن أبی طالب وأعطاه (الطومار)ففضّ خاتمه وفتحه إلی آخره فلم یجد فیه كتابة فقال للرسول: ما وراءك؟ قال: آمن أنا؟ قال: نعم إنّ الرسول لا یُقتل، قال: إنّی تركت ورائی قوماً[94] یقولون: لا نرضی إلّا بالقوَد. قال: ممّن؟[95] قال: یقولون: من خیط رقبة علیّ،وتركت ستین ألف [96] شیخ یبكی تحت قمیص عثمان، وهو منصوب لهم قد ألبسوه [97] منبر مسجد دمشق، وأصابع زوجته نائلة معلّقة فیه، فقال علیّ علیه السلام: أمنّی یطلبون دم عثمان؟! اللّهمّ إنی أبرأ إلیك من دم عثمان، ما نجا واللَّه قتلَة عثمان إلّا أن یشاء اللَّه، فإنّه إذا أراد أمراً بلغه، اُخْرُج، قال: وأنا آمن؟ قال: وأنت آمن، فخرج العبسی [98] ، وأراد الناس أن یقتلوه فقالوا: ما (ل)هذا الكلب رسول الكلاب یتكلّم بمثل هذا، ولولا أمان علیّ علیه السلام لقتلناه. ثمّ [99] أحبّ أهل المدینة بعد ذلك أن یعلموا ما رأی علیّ (رض) فی معاویة هل یقاتله أو ینكل عنه [100] ، وقد بلغهم أنّ ابنه الحسن (رض) دعاه [101] إلی القعود[102] . وترك [103] الناس فدسّوا[104] إلیه زیاد بن حنظلة التمیمی [105] وكان منقطعاً إلی علیّ علیه السلام فجلس إلیه ساعة، فقال له علیّ علیه السلام: یا زیاد تیسّر[106] فقال: لأی شی ء یا أمیر المؤمنین؟ فقال: لحرب أهل الشام، فقال زیاد: الأناة[107] والرفق یا أمیر المؤمنین، امتثل یا أمیر المؤمنین، وأنشد: ومن لم یصانع فی اُمورٍ كثیرةٍ فقال [109] علیّ بن أبی طالب علیه السلام: متی تجمع [110] القلبَ [111] الذكیّ وصارِماً[112] . فخرج زیاد من عنده والناس ینظرونه فقالوا له: ما وراءك؟ قال: السیف، فعرفوا ما هو فاعل. ثمّ إنّ علیاً رضی الله عنه تجهّز یرید الشام لقتال [115] معاویة، فدعا محمّد ابن الحنفیة[116] فأعطاه اللواء[117] ، وولّی [118] عبداللَّه بن عباس میمنة[119] ، وعمرو بن مسلمة[120] میسرة، ودعا[121] أبا لیلی (بن) عمر بن الجرّاح ابن (أخی) أبی عبیدة بن الجرّاح مقدمته [122] ، واستخلف علی المدینة قُثَم بن العباس [123] وكتب إلی العراق إلی قیس بن سعد[124] ، وإلی عثمان بن حنیف [125] ، وإلی أبی موسی الأشعری [126] ، أن یندبوا الناس إلی الخروج إلیه إلی قتال أهل الشام [127] ، وقال لأهل المدینة: إنّ فی سلطان اللَّه تعالی عصمة أمركم [128] فاعطوه طاعتكم غیر ملویة[129] ولا مستكرهین لها[130] لعلّ اللَّه تعالی أن یلمّ شعثكم، ویجمع كلمتكم ویصلح بكم ما یرید هؤلاء القوم فساده [131] فبینما هم كذلك علی قصدهم التوجّه إلی الشام إذ أتاهم الخبر عن طلحة والزبیر وعائشة أ نّهم علی الخلاف [132] وأ نّهم قد سخطوا من فعله[133] وهم یریدون الخروج إلی البصرة، وكان سبب ذلك أنّ طلحة والزبیر لمّا قدما من المدینة إلی مكة وجدا عائشة فقالت لهما: ما وراءكما؟ قالا: إنّا تحمّلنا هرباً من المدینة من غوفاءِ (و)أعراب وفارقنا قوماً[134] حیاری لا یعرفون حقّاً ولا ینكرون باطلاً ولا یمنعون أنفسهم، فقالت: انهضوا[135] إلی هذه الغوغاء. فقالوا: كیف یكون؟ فقالت: أو نأتی الشام؟ فقال ابن عامر[136] - وكان قد أتی من البصرة إلی مكة بعد مقتل عثمان: لا حاجة لكم فی الشام فقد كفاكم معاویة، ولكن نأتی البصرة فإنّ لی بها صنایع ولی بها المال ولأهل البصرة فی طلحة هوی وهو الأوفق بنا والألیق. فاستقام رأیهم علی التوجّه إلی البصرة وأجابتهم عائشة إلی ذلك ودعوا عبداللَّه بن عمر[137] لیسیر معهم فأبی وقال: أنا من أهل المدینة أفعل ما فعلوه فتركوه [138] وأرادت حفصة اُخت عبداللَّه بن عمر المسیر معهم فمنعها أخوها عبداللَّه بن عمر من ذلك [139] وجهّزهم یعلی بن منیة[140] بستمائة ألف درهم وستمائة بعیر[141] وكان من عمّال عثمان علی الیمن قدم مكة بعد مقتل عثمان ونادی منادی عائشة: إنّ اُمّ المؤمنین وطلحة والزبیر شاخصون إلی البصرة فمن أراد إعزاز الدین وقتال المُحلّین [142] والطلب بثأر عثمان ولیس له مركب وجهاز فلیأت. فحملوا ستمائة علی ستمائة (بعیر)وساروا فی ألف [143] من أهل المدینة (ومكة)ولحقهم اُناس آخرون فكانوا ثلاثة آلاف رجل [144] . وأعطی یعلی بن منیة[145] عائشة جملاً اسمه عسكر[146] اشتراه لها بمائتی دینار[147] ، وقیل: بل كان الجمل لرجل من عرینة، قال العرینی: بینما أنا أسیر[148] علی جمل لی إذ عرض لی والبة بن الحباب قال: أتبیع جملك؟ قلت: نعم، قال: بكم؟ قلت: بألف درهم، قال: أمجنون أنت؟ قلت: ولِمَ وأنا واللَّه ما طلبت علیه أحداً إلّا أدركته [149] ولا طلبنی أحد إلّا فُتّه، قالوا: لا[150] تعلم لمن نریده، إنما نریده لاُمّ المؤمنین عائشة، قلت: فخذه بغیر ثمن، قال: بل تذهب معنا إلی الرجل فنعطیك دراهم وناقة. قال: فرجعت فأعطونی ناقة مهریة وستمائة درهم [151] . وبعثت اُمّ الفضل- ابنة الحارث اُمّ عبداللَّه بن العباس (رض)- رجلاً من جهینة استأجرته یسمّی ظفراً[152] إلی علیّ بن أبی طالب علیه السلام یخبره بخروج طلحة والزبیر وعائشة إلی البصرة. قال: وخرجت عائشة ومن معها من مكّة، فلمّا خرجوا منها وصاروا علی مرحلة وجاء وقت الصلاة أذن مروان بن الحكم، ثمّ جاء حتّی وقف علی طلحة والزبیر وابنیهما جالسین عندهما فقال لهما: علی أ یّكما اُسلّم بالإمارة واُؤذن بالصلاة؟ فقال عبداللَّه بن الزبیر: علی أبی، وقال محمّد بن طلحة: علی أبی، فبلغ ذلك عائشة، فأرسلت إلی مروان وقالت: ترید أن یفترق أمرنا لیصل بالناس عبدالرحمن بن عتاب بن اُسید، فكان معاذ بن جبل یقول: واللَّه لو ظفرنا لا قتتلنا ما كان الزبیر یترك طلحة والأمر ولا كان طلحة یترك الزبیر (والأمر). وخرج مع عائشة اُمّهات (المؤمنین) مودّعات لها إلی ذات عِرق،وبكوا الإسلام، فلم یُرَ یوم كان أكثر باكیاً (وباكیة) من ذلك الیوم، وكان یسمّی یوم النحیب [153] . ثمّ إنّهم ساروا متوجّهین إلی نحو البصرة، وسار علیّ (رض) من المدینة فی معسكره علی قصده الشام، وكان ذلك فی آخر شهر ربیع الآخر سنة خمس وثلاثین، فبینما هو فی مسیره إذ أتاه رسول اُمّ الفضل [154] (رض) یخبره عن طلحة والزبیر وعائشة بما كان منهم و (أنهم)خرجوا (من)مكة قاصدین إلی البصرة، فلمّا بلغه ذلك دعا وجوه أهل المدینة فخطبهم وحمد اللَّه وأثنی علیه وقال: إنّ آخر هذا الأمر لا یصلح إلّا بما یصلح أوّله، فانصروا اللَّه تعالی ینصركم ویصلح أمركم [155] . ثمّ إنّ علیاً (رض) أعرض عن قصد الشام وحثّ المسیر إلی جهة البصرة رجاء أن یدرك طلحة والزبیر قبل وصولهما إلیها فیراهما[156] ویناجزهما، فلمّا انتهی إلی الربذة أتاه الخبر بأ نّهم سبقوا إلی البصرة وقد نزلوا بقبابها[157] . قال علقمة بن وقّاص اللیثی [158] : رأیت طلحة فی مخرجه هذا مع الزبیر وعائشة بعد بیعة أهل البصرة لهم وأحبّ المجالس إلیه أخلاها وهو ضارب بیده علی لحیته مفكّراً فقلت له: یا أبا محمّد إنّی أری أحبّ المجالس إلیك أخلاها وإنّی لم أزل أراك ضارباً بیدك علی لحیتك مفكّراً إن كرهت شیئاً فاجلس. قال: فقال (لی): یا علقمة بینا نحن علی یدٍ واحدة علی مَن سوانا (إذ)صرنا جبلین من حدید یطلب بعضنا بعضاً. یا علقمة إنّه كان منّی فی عثمان شی ء لیس توبتی منه إلّا أن یسفك دمی فی طلب دمه. قال: فقلت ([159] له): ردّ ابنك محمّداً فإنّ لك ضیاعاً وعیالاً فإنّ یك شیئاً یخلفك، قال: فكلّمه لعلّه [160] یسمع منك. قال: فأتیت ابنه محمّداً فقلت (له): لو أقمت فإن حدث فی أبیك [161] حدث كنت تخلفه فی عیاله وضیاعه [162] ، قال ما اُحبّ أن أسائل عنه [163] الركبان [164] . ویروی أنّ طلحة قال فی بعض هذه الأیّام: (هذه) الفتنة الّتی كنّا نتحدّث بها، فقال له بعض موالیه: تسمّیها فتنة وتقاتل فیها؟! فقال له: ویلك إنّا نبصر ولا تبصروا وما كان أمر قطّ إلّا وأنا أعلم موضع قدمی فیه، غیر هذا الأمر فإنی لا أعلم أنا مقبل فیه أم مدبر[165] . وحدّث شهاب بن طارق [166] قال: خرجت مستقبلاً لعلیّ أیام خروجه إلی الجمل فكان صدیقاً لی، فلقیته وقد ترك الربذة فسألت ما أقدمه الربذة، فقیل لی: خالفه طلحة والزبیر وعائشة وتوجّهوا إلی البصرة وهم علی وجه القتال، فقلت فی نفسی: اُقاتل حواری رسول اللَّه صلی الله علیه وآله واُمّ المؤمنین، فهذا عظیم (أو أدع القتال مع علیّ وهو أولی بالمؤمنین أو قال: وهو أمیر المؤمنین- وابن عمّ رسول ربّ العالمین فهذا عظیم). قال: ثمّ أتیت علیاً فسلّمت علیه وجلست إلیه فأقبل بوجهه إلیَ [167] ثمّ قصّ علیَّ قصَته وقصَةالقوم، فلمّا فرغ أذن بالصلاة فصلّی بنا الظهر. ثمّ انفتل فقام إلیه ابنه الحسن[168] (رض) فجلس بین یدیه فبكی وقال: یا أبت أمرتك بأمرٍ فعصیتنی [169] ثمّ أمرتك [170] وها أنت تقبل غداً بمصبغة[171] من الأرض ولا ناصر لك، فقال له علیّ (رض): (هات)ما عندك إنّك لا تزال تحنّ حنین الجاریة[172] ما الّذی أمرتنی (به)فزعمت أنی عصیتك فیه؟ قال: أمرتك حین أحاط الناس بعثمان أن تعتزل[173] ناحیة (عن المدینة)فإنّ الناس إن قتلوه طلبوك حیث كنت فبایعوك فلم تفعل، ثمّ قُتل عثمان، فلمّا، أتاك الناس یبایعونك أمرتك بأن لا تفعل حتّی یجتمع[174] الناس ویأتیك وفود العرب فلم تفعل، ثمّ جاءك [175] طلحة والزبیر فأمرتك أن لا تتبعهما وتدعهما فإن اجتمعت إلیك الاُمّة قبلت ذلك منها وإن اختلفت رضیت بقضاء اللَّه تعالی [176] . فقال [177] له علیّ (رض): واللَّه لا أكون كالضبُع تنام [178] (علی طول)اللدْم [179] حتّی یصل إلیها[180] طالبها وجارُّها فیدخل الحبل فی رجلها ثمّ یقول دَباب دَباب[181] فیقطع عرقوبها[182] ، ولكن أبوك یضرب المدبر بالمقبل والعاصی بالطائع والمخالف بالسامع، ثمّ الأمر للَّه یفعل ما یشاء[183] . اللدم: شی ء یحرّك عند غار الضبُع حتّی تسمعه فترتاع من صوته فتنجحر فی [184] غارها فیدخل علیها طالبها وهو یقول: دَباب دَباب فیربطها، أی لا أنخدع كما ینخدع الضبُع [185] . ثمّ إنّ علیاً (رض) كتب من الربذة إلی طلحة والزبیر یقول لهما: أمّا بعد، یا طلحة ویا زبیر فقد علمتما[186] أنی لم أرد الناس حتّی أرادونی، ولم اُبایعهم حتّی أكرهونی وأنتما[187] أوّل من بادر إلی بیعتی، و لم تدخلا فی هذا الأمر بسلطانٍ غالب ولا لعرضٍ [188] حاضر، وأنت یا زبیر ففارس قریش وأنت یا طلحة فشیخ المهاجرین، ورفعُكما[189] هذا الأمر[190] قبل أن تدخلا فیه كان أوسع لكما من خروجكما منه إلّا (أنّ)هؤلاء بنو عثمان هم أولیاؤه المطالبون بدمه وأنتما رجلان من المهاجرین وقد أخرجَتكما اُمّكما من بیتها الّتی أمرها اللَّه تعالی أن تقرّ فیه، واللَّه حسبكما، والسلام [191] . وكتب إلی عائشة: أمّا بعد (فإنّكِ) خرجت من بیتكِ تطلبین أمراً كان منكِ [192] موضوعاً، ثمّ تزعمین أ نّكِ لن تریدین [193] إلّا الإصلاح بین الناس [194] فخبّرینی ما النساء وقَود العسكر[195] وزعمت أنكِ مطالبة بدم عثمان، وعثمان من بنی اُمیة وأنتِ امرأة من بنی تیم بن مرّة، لعمری إنّ الّذی أخرَجَكِ لهذا الأمر وحملَكِ علیه لأعظم ذنباً إلیك من كلّ أحد، فاتقِ اللَّه یا عائشة وارجعی إلی منزلك واسبلی علیك سترك، والسلام [196] . فرجع الجواب: یابن أبی طالب، جلّ الأمر عن العتاب [197] وضاق الوقت عن الجواب [198] . ثمّ إنّ علیاً رضی الله عنه كتب إلی أهل الكوفة وسَیّرَ كتابه مع محمّد بن أبی بكر[199] ، ومحمّد بن جعفر[200] (رض)، یقول لهم: إنّی اخترتكم [201] علی أهل الأمصار وفزعت إلیكم لما حدث، فكونوا للدین [202] أعواناً وأنصاراً، فانهضوا[203] إلینا فالإصلاح (ما)نرید لتعود هذه الاُمّة إخواناً[204] فمضیا[205] . وأرسل علیّ (رض) إلی أهل المدینة فأتاه منها ما أراد من دابّة وسلاح [206] ، وقام فی الناس فخطبهم فقال: إنّ اللَّه تعالی أعزّنا بالإسلام ورفعنا به وجعلنا به إخواناً بعد ذلّة وتباعد[207] وتباغض، فجری الناس علی ذلك ما شاء اللَّه تعالی، الإسلام دینهم، والحقّ مذهبهم، والكتاب إمامهم، حتّی اُصیب هذا الرجل بأیدی هؤلاء القوم الّذین نزغهم [208] الشیطان لینزغ بین هذه الاُمّة، ألا وإنّ هذه الاُمّة لابدّ مفترقة كما افترقت الاُمم قبلهم [209] ، فنعوذ باللَّه من شرّ ما هو كائن [210] . ثمّ عاد ثانیة فقال: إنّه لابدّ ممّا هو كائن أن یكون، ألا وإنّ هذه الاُمّة ستفترق علی ثلاث وسبعین فرقة شرها فرقة تنتحلنی [211] ولا تعمل بعملی، وقد أدركتم ورأیتم، فالزموا دینكم واهتدوا بهدیُ (نبیّكم)محمّد صلی الله علیه وآله واتبعوا سنّته وأعرضوا ما اُشكل علیكم علی القرآن، فما عرّفه القرآن فالزموه وما أنكره فردّوه وارضوا باللَّه (جلّ وعزّ) رباً وبالإسلام دیناً وبمحمّد صلی الله علیه وآله نبیاً ورسولاً وبالقرآن حَكماً وإماماً[212] . ثمّ سار علیّ (رض) من الربذة إلی ذی قار، وأمّا المحمّدان- محمّد بن أبی بكر ومحمّد بن جعفر (رض)- فإنّهما أتیا الكوفة ودخلا بالكتاب علی أبی موسی الأشعری (رض) فقرأه علی الناس فلم یُجابا بشی ء، فلمّا كان اللیل دخل ناس من ذوی الحِجی [213] علی أبی موسی الأشعری فقرأه علی الناس فقالوا: ما تری فی الخروج؟ فقال: كان الرأی بالأمس لیس الیوم، إنّ الّذی تهاونتم به فیما مضی هو الّذی جرّ علیكم ما ترون الیوم، وإنّما هو أمران القعود سبیل الآخر. والخروج سبیل الدنیا فاختاروا، فلم ینفر إلیه [214] أحد[215] فغضب الرجلان [216] وأغلظا لأبی موسی القول، فقال لهما: واللَّه إنّ بیعة عثمان لفی عنقی وعنق صاحبكما، فإن لم یكن بدّ من قتال فلا یقاتل أحداً حتّی یُفرغ من قتَلة عثمان حیث كانوا[217] . فانطلقا إلی علیّ رضی الله عنه فأخبراه الخبر وهو بذی قار، فقال علیّ للأشتر وكان معه: أنت صاحبنا فی أبی موسی والمعترض فی كلّ شی ء ولم نقرّ أبا موسی علی عمل الكوفة إلّا برأی منك، اذهب أنت والحسن بن علیّ [218] والعمّار[219] فأصلح ما أفسده. فخرجوا وقدموا الكوفة، فدخلوها والناس فی المسجد وأبو موسی یخطبهم ویثبّطهم ویقول: أیّها الناس، إنّ أصحاب محمّد الّذین صحبوه أعلم باللَّه [220] ورسوله ممّن لم یصحبه، وإنّ لكم علینا حقّ النصیحة، وإنّ هذه فتنة صمّاء ولقد سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله یقول: ستكون فتنة القاعد فیها خیرٌ من القائم، والقائم خیرٌ من الماشی، والماشی خیرٌ من الراكب، وقد جعلنا اللَّه تعالی إخواناً وحرّم علینا دماءنا وأموالنا[221] . فقام إلیه الحسن بن علیّ (رض) فسكّته وقال: اعتزل عملنا یا شیخ لا اُمّ لك [222] فقال: أجّلنی هذه العشیة، فقال: هی لك [223] . ثمّ قام الحسن رضی الله عنه فصعد المنبر فخطب فقال: أیّها الناس، أجیبوا دعوة أمیركم وسیروا[224] إلی إخوانكم، واللَّه لئن یلی هذا الأمر أو النهی فإنّه مثل فی العاجل والآجل وخیرٌ لكم فی العاقبة، فأجیبوا دعوتنا علی ما ابتلینا به وابتلیتم، فإنّ أمیر المؤمنین یقول: قد خرجت مخرجی هذا ظالماً أو مظلوماً وإنّی أذكر اللَّه تعالی رجلاً رعی حقّ اللَّه بفرقان إن كنت مظلوماً أعاننی وإن كنت ظالماً أخذ منّی، واللَّه إنّ طلحة والزبیر أوّل من بایعنی وأوّل من خرجا[225] علیَّ فهل استأثرت بمالٍ أو بدّلت حكماً فانفروا فائمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر[226] . وقام عمّار رضی الله عنه فتكلّم أیضاً[227] . وروی البخاری فی صحیحه عن ابن مریم عبداللَّه بن زیاد الأسدی قال: لمّا سار طلحة والزبیر وعائشة إلی البصرة بعث علیّ علیه السلام عمّار بن یاسر وابنه الحسن فقدما علینا الكوفة وصعدا المنبر وكان الحسن بن علیّ علیه السلام فی أعلی المنبر وعمّار رضی الله عنه أسفل من الحسن فاجتمعنا إلیهما[228] فسمعت عمّاراً یقول: إنّ عائشة سارت إلی البصرة واللَّه إنها لزوجة نبیكم صلی الله علیه وآله فی الدنیا والآخرة. ولكنّ اللَّه (تبارك وتعالی) ابتلاكم لیعلم إیّاه تطیعون أم هی [229] ، انتهی. وجعل [230] الأشتر[231] (رض) لا یمرّ بقبیلة[232] إلّا دعاهم، فتسامع الناس وأجابوه [233] فقام هند بن عمرو وقال لقومه: إنّ أمیر المؤمنین قد دعانا وأرسل إلینا رسله (حتّی جاءنا) مع ابنه الحسن فاسمعوا إلی قوله [234] وانتهوا إلی أمره وأعینوه برأیكم وانظروا معه فی هذا الأمر[235] . وقام حجر بن عدی رحمه الله فقال: أیّها الناس اُجیبوا أمیر المؤمنین وانفروا خفافاً وثقالاً فانفروا وأنا أوّلكم وأذعن للمسیر[236] . فقال الحسن: أیّها الناس، إنّی غادٍ[237] فمن شاء منكم أن یخرج معی [238] الظُهر ومن شاء فی المساء. فنفر معهم قریب تسعة آلاف ومائتان [239] فی البرّ وألفان وثمانمائة فی البحر[240] ، فقدموا علی أمیر المؤمنین علیه السلام بذی قار فلقیهم فی ناسٍ من وجوه أصحابه منهم عبداللَّه بن عباس (رض) فرحّب بهم [241] وقال: یا أهل الكوفة، أنتم قتلتم ملوك العجم [242] وفضضتم جموعهم حتّی [243] صار إلیكم تراثهم [244] وأغنیتم حوزتكم وأعنتم الناس علی عدوّهم، وقد دعوناكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة، فإن رجعوا[245] فذاك الّذی نرید، وإن یلحّوا داریناهم بالرفق حتّی یبدأونا بظلم، ولم ندع امراً فیه صلاح إلّا آثرناه علی ما فیه الفساد إن شاء اللَّه تعالی [246] . ثمّ دعا علیّ (رض) بالقعقاع [247] فأرسله إلی أهل البصرة وقال له: الق هذین الرجلین (یا ابن الحنظلیة)- یعنی طلحة والزبیر[248] وكان القعقاع من أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم- فادعهما إلی الاُلفة والجماعة وعظّم علیهما الفرقة والمباینة[249] ، ومثلك یعلم كیف یصنع. فخرج القعقاع حتّی قدم البصرة فبدأ بعائشة فقال أی اُمّ[250] ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة؟ فقالت: أی بنی [251] لإصلاح بین الناس [252] ، قال: فابعثی إلی طلحة والزبیر حتّی تسمعی كلامی وكلامهما، فبعثت إلیهما فجاءا[253] . فقال لهما القعقاع: إنّی سألت اُمّ المؤمنین ما أشخصها وأقدمها؟ قالت: الإصلاح، فما تقولان أنتما متابعان أم مخالفان؟ فقالا: بل متابعان، فقال: أخبرانی ما وجه الإصلاح، فواللَّه إن عرفتماه لتصلحنّ وإنّ أنكرتما لا یقع شی ء[254] قالا: قتَلة عثمان؟ فقال لهما القعقاع: هذا ما لا یكون فی هذا الوقت ولا یتهیأ، فالرأی عندی تسكین هذه الثائرة فی هذه الساعة وحقن دماء المسلمین، فإذا سكنت فاختلجوا، ولیس لهذا الأمر دواء غیر هذا، وإن أبیتم إلّا لمكابرة هذا الأمر واعتسافه كانت علامة شرّ وذهاب الأموال والأرواح، فآثروا[255] العافیة ترزقوها، وكونوا مفاتیح خیر ولا تتعرّضوا للبلاء فیصرعنا وإیّاكم، وأیم اللَّه إنّی لأقول هذا القول وأدعوكم وانّی لخائف أن لا یتمّ حتّی یأخذ اللَّه حاجته من هذه الاُمّة. فقالوا: قد أصبت وأحسنت، فإن قدم علیّ علی مثل رأیك هذا فقد صلح الأمر. فرجع القعقاع إلی علیّ وأخبره بذلك فسرّ به واُعجب [256] . وأشرف القوم علی الصلح وكره ذلك من كرهه ورضیه من رضیه، وأقبلت وفود العرب من (أهل)البصرة نحو علیّ علیه السلام بذی قار لینظروا ما رأی إخوانهم من أهل الكوفة، فأخبروهم أنّ الّذی علیه رأیهم الإصلاح ولا خطر لهم القتال علی بال. وسأل علیّ (رض) جریر بن شرس[257] عن طلحة والزبیر فقال: أمّا الزبیر فإنّه یقول: بایعنا (ه)كرهاً[258] ، وأمّا طلحة فانّه یتمثّل بالأشعار فیقول شعراً: ألا بلغ أبلغ [259] بنی بكر رسولاً سیرجع ظلمكم منكم علیكم فتمثّل علیّ علیه السلام بقوله: ألم تعلم أبا سمعان أ نّا ونذهلُ عقله بالحرب حتّی فدافَعَ عن خزاعة جمعُ بكر ثمّ إنّ علیاً (رض) قام خطیباً فی الناس فحمد اللَّه تعالی وأثنی علیه وذكر الجاهلیة وشقاها والإسلام وسعادة الناس به وإنعام اللَّه علی الاُمّة بالجماعة والخلیفة بعد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ثمّ الّذی یلیه ثمّ حدث هذا الأمر الّذی جرّه [263] علی الاُمّة أقوام طلبوا الدنیا وحسدوا من أفاء اللَّه تعالی منها وأرادوا ردّ الإسلام والاُمور علی أدبارها واللَّه بالغ أمره [264] ثمّ قال علیّ علیه السلام: ألا وإ نّی راحل غداً فارتحلوا ولا یرتحلنّ أحد أعان علی قتل عثمان بشی ء من اُمور الناس، ولیغن السفهاء عن أنفسهم [265] . فشقّ ذلك علی الّذین خرجوا علی عثمان وكان معه منهم بذی قار ألفان وخمسمائة[266] وباتوا بأسوأ لیلة وهم یتشاورون، فقال لهم رئیسهم عبداللَّه بن سبأ[267] وهو الشهیر بابن السوداء: یا قوم إنّ عزّكم فی مخالطة الناس فلا تتركوا علیاً والزموه فإذا كان غداً والتقی الناس فانشبوا القتال، فمن كنتم [268] معه لا یجد بدّاً من أن یمتنع، فإذا اشتغل الناس بالناس ننظر ماذا یكون. فتفرّقوا علی رأیه [269] . وأصبح علیّ علیه السلام علی ظهر حتّی نزل علی عبد القیس [270] فانضمّوا (إلیه)وسار من هناك یرید البصرة، فقام إلیه الأعور بن بیان المنقری[271] فقال: یا أمیر المؤمنین ما ترید بإقدامك إلی البصرة؟ فقال: الإصلاح وإطفاء الثائرة لعلّ اللَّه تعالی یجمع شمل هذه الاُمّة بنا ویضع حربهم، قال: فإن لم یجیبوا؟ قال: تركناهم ما تركونا، قال: فإن (لم)یتركوا؟ قال: دفعناهم عن أنفسنا، قال: فهل لهم من هذا مثل الّذی علیهم؟ قال: نعم [272] . وقام إلیه أبو سلام الدلابی [273] فقال: یا أمیر المؤمنین أتری لهؤلاء القوم حجّة (فیما طلبوا من هذا الدم إن كانوا أرادوا اللَّه بذلك؟ قال: أفتری لك حجّة)بتأخیر ذلك؟ قال: نعم، إنّ الشی ء إذا كان (لا) یدرك فإنّ الحكم فیه ما كان أحوطه [274] وأعمّه نفعاً، قال: فما حالنا وحالهم إن ابتلینا غداً بقتالهم؟ قال: إنّی لأرجو أن لا یُقتل منّا ومنهم أحد وقلبه مخلص للَّه تعالی إلّا أدخله اللَّه تعالی الجنة[275] . وسار طلحة والزبیر وعائشة فالتقوا عند قصر عبیداللَّه بن زیاد[276] فنزل الناس هناك وهم یتراؤون وأقاموا[277] ثلاثة أیام لم یكن بینهم شی ء إلّا الصلح وهم یتراسلون، وكان نزولهم فی النصف من جُمادَی الآخرة سنة ثمان وثلاثین [278] ، فقام علیّ علیه السلام فخطب أصحابه فقال: أ یّها الناس، املكوا عن هؤلاء أیدیكم (وألسنتكم)وإیّاكم أن تسبقوا إلی شی ء فإنّ المخصوم غداً من خصم الیوم [279] . وكانت عائشة حین نزولهم نزلت فی الأزد ویرأس الأزد یومئذٍ صبرة ابن سبحان [280] فقال له كعب بن سور[281] : إنّ الجموع إذا تراءت لم تستطع كفافها إنّما هی نحو تدفّق، فأطعنی ولا تشهدهم، واعتزل بقومك فإنّی أخاف أن لا یكون صلح، ودع مضراً وربیعه، فإنّهما اخوان، فإن اصطلحا فالصلح أردنا وإن اقتتلا كنّا حكّاماً علیهم غداً، وكان كعب فی الجاهلیة علی دین النصرانیة[282] ، فقال له صبرة: أخشی أن یكون [283] فیك شی ء من دین النصرانیة أتأمرنی أن أغیب عن إصلاح بین الناس وأخذل اُمّ المؤمنین وطلحة والزبیر إذا أرادوا الصلح؟ واللَّه لا أفعل ذلك أبداً، فأطبق أهل الیمن علی الحضور[284] . وحضر مع عائشة المنجاب بن راشد[285] فی الرباب وهم: تیم وعدی وثور وعكل بنو عبد مناف [286] ابن (ادبن)طانجة بن إلیاس بن مضر وضبة بن ادبن طانجة، وحضر أیضاً أبو الجرباء[287] فی بنی عمر بن تیم وهلال بن وكیع فی بنی حنظلة وصبرة بن سبحان علی الأزد ومجاشع بن مسعود السلمی علی سلیم وزفر بن الحارث فی بنی عامر وغطفان ومالك بن مشبع علی بكر والحارث بن راشد علی بنی ناجیة[288] وعلی الیمن ذوی الأحمر الحمیری. فنزلت مضر إلی [289] مضر وهم لا یشكون فی الصلح، ونزلت ربیعة إلی ربیعة، والیمن إلی الیمن، وكلّ قبیلة نزلت إلی اُختها[290] . وكان أصحاب علیّ علیه السلام عشرین ألفاً[291] وأصحاب طلحة والزبیر وعائشة ثلاثین [292] . ألفاً، فأرسل علیّ علیه السلام عشیة الیوم الثالث من نزولهم عبداللَّه بن عباس إلی طلحة والزبیر بالسلام، وأرسل طلحة والزبیر إلی علیّ بالسلام، وتردّدت الرسل بینهم فی الصلح فتداعوا إلیه، وشاع ذلك فی الفئتین فسرّ الناس بذلك وباتوا بلیلة لم یبیتوا بمثلها من الفرح والسرور. ولمّا اشرفوا علیه من الصلح وبات الّذین أثاروا أمر عثمان بأسوأ لیلة لما رأوه ونظروه من تراسل القوم وتصافیهم، فباتوا یتشاورون لیلتهم فأجمع رأیهم علی إنشاب الحرب مع الفجر. (قال:)فلمّا كان غلس الصبح ثاروا إلی أصحاب طلحة والزبیر، مضرهم إلی مضرهم، وربیعتهم إلی ربیعتهم، ووضعوا فیهم السلاح، فثارت كلّ قبیلة إلی اُختها، وقام الحرب بینهم وثبت القتال، ولم یدر الناس كیف الأمر ولا كیف كان [293] فقام فی المیمنة أصحاب (طلحة) عبد الرحمن بن الحارث [294] ، وفی المیسرة عبدالرحمن (بن)عتاب [295] ، وفی القلب طلحة والزبیر[296] فقالوا لأصحابهم: كیف كان هذا الأمر؟ قالوا: لا ندری إلّا وقد طوّقونا فی غلس الصبح واضعین فینا السیوف، فقال طلحة والزبیر: إنّ علیاً لم یطعنا حتّی یسفك الدماء. وقام علیّ علیه السلام فی أصحابه وقال: كیف هذا؟ فقال (له) السبأیة: ما شعرنا إلّا وقد بیّتونا فرددناهم فركبونا فثار الناس وثبت القتال، فقال علیّ علیه السلام: قد علمت أنّ طلحة والزبیر غیر منتهین حتّی یسفكا الدماء وانّهما لم یطاوعا. والسبأیة لا تفتر عن القتال وقد وضع الناس السیف فی بعضهم بعضاً[297] ، فأقبل كعب بن سور علی عائشة فقال لها: أركبی وقد أبی الناس إلّا القتال فأركبوها هودجاً وألبسوا هودجها الأدراع وشدّوا علی جملها «عسكراً» وأبرزوه للناس»[298] . ثمّ إنّ علیاً علیه السلام نادی فی معسكره: أ یّها الناس اُنشدكم اللَّه أن لا تقتلوا مدبراً، ولا تجهزوا علی جریح، ولا تستحلّوا سبیاً، ولا تأخذوا سلاحاً ولا متاعاً[299] ثمّ إنّه علیه السلام رفع یدیه إلی السماء وقال: اللّهمّ إنّ طلحة والزبیر أعطیانی صفقة أیدیهما طائعین ثمّ نصبا لی الحرب ظاهرین [300] ، اللّهمّ فاكفنیهما بما شئت فكیف شئت [301] هذا كله وعلیّ علیه السلام علی بغلة وعلیه قمیص ورداء وعمامة[302] ، فلمّا أسفر النهار (ورأی أنه لم یبق إلّا التصافح بالصفاح والتطاول بالرماح) خرج علیّ علیه السلام ما بین الصفّین هو علی تلك الصفة ونادی بأعلی صوته: أین الزبیر بن العوّام؟ فلیخرج إلیَّ، فقال الناس: یا أمیر المؤمنین أتخرج إلی الزبیر وأنت (معرٍ وهو لابس وأنت علی بغلةٍ وهو علی جواد) علی هذه الهیئة وقد علمت أ نّه فارس قریش وبطلها؟ فقال: لیس له علیَّ منه (سِنة)ثمّ نادی الثانیة: أین الزبیر بن العوّام؟ فلیخرج إلیَّ. فخرج إلیه الزبیر فدنا كلّ منهما من الآخر إلی أن اختلفت [303] أعناق دوابهما[304] ، فقال له علیّ علیه السلام: ما حملك علی ما صنعت [305] یا زبیر؟ قال: حملنی علی ذلك الطلب بدم [306] عثمان، فقال (له) علیّ: إن أنصفت من نفسك أنت وأصحابك قتلتموه ولكنی اُنشدك اللَّه یا زبیر، أما تذكر قال لك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله: یا زبیر أتحبّ علیاً؟ فقلت: یا رسول اللَّه وما یمنعنی من حبّه وهو ابن خالی؟! فقال صلی الله علیه وآله لك: أما إنك ستخرج علیه وأنت ظالم له، فقال (الزبیر): اللّهمّ بلی قد كان ذلك. فقال: اُنشدك اللَّه ثانیاً أما تذكر یوم جاء رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من عند بنی (عمرو بن)عوف وأنت معه وهو آخذ بیدك فاستقبلته (أنا) فسلّمت علیه فضحك فی وجهی وضحكتُ (أنا) إلیه فقلت أنت: لا یدع ابن أبی طالب زهوه (أبداً)، فقال لك صلی الله علیه وآله: مهلاً یا زبیر لیس بعلی زهوة ولتخرجنّ علیه یوماً وأنت ظالم له؟ فقال الزبیر: اللّهمّ بلی ولكنّی قد نسیت ذلك وبعد أن ذكّرتنیه لأنصرفنّ، ولو ذكرتُ هذا قبل ما خرجتُ علیك ولكن هذا تصدیقاً لقوله صلی الله علیه وآله، ثمّ كرّ راجعاً. فقالت (له) عائشة (وهی واقفه فی هودجها): ما وراك یا أبا عبداللَّه؟ فقال لها (الزبیر: ورائی) واللَّه ما وقفت موقفاً (قطّ) ولا شهدت مشهداً فی شرك ولا إسلام إلّا ولی فیه بصیرة، وأمّا الیوم فی [307] شكّ من أمری [308] وما أكاد أبصر موضع قدمی [309] . ثمّ شقّ الصفوف وخرج من بینهم وأخذ[310] طریق [311] مكة فنزل علی قومٍ من بنی تمیم فقام إلیه عمرو[312] بن جرموز المجاشعی [313] فضیّفه وخرج معه إلی وادی السباع وأراه أنه یرید مسایرته ومؤانسته فقتله غیلةً بعد أن خدعه بذلك، وأخذ سیفه وخاتمه ومضی یؤم علیّ بن أبی طالب علیه السلام فلمّا وصله سلّم علیه ذوهنّأه بالفتح وأخبره بقتله للزبیر بن العوّام، فقال له علیّ أبشر بالنار- یعنی قوله، بشّر قاتل ابن صفیة بالنار-. قال ابن جرموز: إنّا للَّه وإنّا إلیه راجعون، إنّا إن قاتلناكم فنحن فی النار وان قتلنا لكم فنحن فی النار؟! فقال علیّ بن أبی طالب: ویلك ذلك شی ء قد سبق لابن صفیة.
وفی قتل عمرو بن عبد ودّ یقول حسّان رضی الله عنه:
بجنوب یثرب غارةً لم تُنظر[2] .
ولقد وجدتَ جیادنا[3] لم تُقصر
ضربوك ضرباً لیس ضرب المحسر[4] .
یا عمرو أو لجسیم أمرٍ منكر[5] .
وكلاهما كفوٌ كریم باسل
وسط المجال مجالد ومقاتل
لم یثنِهِ عن ذاك شُغلٌ شاغل
قولٌ سدیدٌ لیس فیه تحامل [9] .
ما زلت أبكی علیه دائم الأبد[11] .
مَن [14] كان یُدعی أبوه بیضة البلد
إلی السماء تمیت الناس بالحسد
مكارم الدین والدنیا إلی [15] الأبد
بكاء معولة حری علی ولد[16] .
فردّ فما منی له الدهر[59] ثانیة
إلی الشام [61] حتّی یستقرّ معاویة
واُمّ ابن هند بعد ذلك هاویة
لداهیة فارفق به أی [63] داهیة
وكانت له تلك النصیحة كافیة
بِعارٍ إذا ما غالَتِ النفسَ غولُها[76] .
حرباً ضروساً تشبّ الجزل والضرما
شنعاء شیّبت [85] الأصداغ [86] واللمما[87] .
یوجد لها غیرنا مولیً ولا حَكما[89] .
یُضَرَّسْ بأنیابٍ ویوطأ بمنْسِمِ [108] .
وأنفاً حَمِیّاً[113] تجتنبك المظالِمُ [114] .
فلیس إلی بنی كعب سبیل
طویل الساعدین له فضول [260] .
نردُّ[261] الشیخ مِثلك ذا الصداع
یقوم فیستجیب بغیر داع
وما بك یا سُراقةُ من دفاع [262] .
فتخا لسامج النفوس كلاهما وفی (ج): مجاله (بدل) مجالد. وروی أحمد بن عبدالعزیز قال: حدّثنا سلیمان بن أیوب عن أبی الحسن المدائنی قال: لمّا قَتَل علی بن أبی طالب عمرو بن عبدودّ نُعی إلی اُخته فقالت: من ذا الّذی اجترأ علیه؟ فقالوا: ابن أبی طالب، فقالت: لم یَعدُ یومه علی ید كُف ء كریم، لا رقأت دمَعتی إن هرقْتُها علیه، قَتل الأبطال وبارز الأقران وكانت منیّته علی ید كف ء كریم قومه، وما سمعت أفخر من هذا یا بنی عامر. (انظر الارشاد للشیخ المفید:1 / 107). لكلّ جواد كبوة: حدیثنا هنا عن عالم حقیقی عرفناه من خلال كتابه هذا ووصفناه بالنزاهة والموضوعیة وكما قال الدیلمی فی الفردوس: العالم سلطان اللَّه فی الأرض فمن وقع فیه فقد هلك. ونحن لا ندری لماذا اغفل ابن الصبّاغ المالكی حدیث فیمن هو قرین المعجزة وعدیلها، وأسدُ اللَّه الّذی شتّت جنود الكفر، وسیفه الّذی ضربة منه تعدل أعمال الاُمّة إلی یوم القیامة كما ورد فی كثیر من المصادر التاریخیة والحدیثیة، وكمثال علی ذلك ما أورده الحاكم فی المستدرك: 3 / 32 مسنداً عن سفیان الثوری أنه قال صلی الله علیه وآله: لمبارزة علیّ بن أبی طالب لعمرو بن عبد ودّ یوم الخندق أفضل من أعمال اُمّتی إلی یوم القیامة. نقول: ربما منع ابن الصبّاغ من نقل أو ذكر هذا الحدیث وغیره- الّذی ورد بهذا المعنی مع الاختلاف الیسیر فی اللفظ ولم یشر إلیه ولو بإشارة بالرغم من ذلك أنه ذكر كلّ واقعة الخندق بتفاصیلها- هو قرب الناس من عهدٍ تفشّت فیه الفتنة كما أشرنا سابقاً، وعدم تمكین الایمان من نفوسهم، ولعلّ هذا هو الظرف الّذی منعه من مآل الفعل المشروع. فالمجدّد المجتهد یعرف المجتمع الّذی یعیش فیه وما یسیطر علیه من اتجاهات مذهبیة عدیدة كما أشار إلیها فی مقدمة كتابه هذا واتهامه بالرفض. وإلّا كیف یغفل- وهو النبیه- عن شجاعة الإمام علیّ علیه السلام الّتی أنسی الناس فیها ذكر من كان قبله، ومحا اسم من یأتی بعده، ومقاماته فی الحروب مشهورة، ویضرب بها الأمثال إلی یوم القیامة، وهو الشجاع الّذی ما فرّ قطّ ولا ارتاع من كتیبة ولا بارز أحداً إلّا قتله. كما ذكر ابن أبی الحدید فی شرح النهج: 1 / 20. فقد روی المؤرّخون فی مبارزة علیّ علیه السلام یوم الخندق وأنها أفضل من أعمال الاُمّة إلی یوم القیامة بألفاظ مختلفة تؤدّی إلی نفس المعنی فقد روی صاحب المستدرك عن سفیان الثوری أنه صلی الله علیه وآله قال ذلك لعلی علیه السلام یوم الخندق. ورواه الخطیب البغدادی فی تاریخه: 13 / 19 عن إسحاق بن بشر القرشی. وذكره الفخر الرازی فی تفسیره الكبیر: 32 / 31 وفی ذیل تفسیر سورة القدر ورد بلفظ: لمبارزة علیّ علیه السلام مع عمرو بن عبد ودّ أفضل من عمل اُمّتی إلی یوم القیامة. وذكر ابن أبی الحدید فی شرح النهج أیضاً: 19 / 61 أنه صلی الله علیه وآله قال حین برز علیّ علیه السلام لعمرو بن عبدودّ: برز الایمان كلّه إلی الشرك كلّه. وقال الإیجی فی شرح المواقف: 617 قوله صلی الله علیه وآله: لضربة علیّ یوم الخندق أفضل من عبادة الثقلین. وفی السیرة الحلبیة بهامش السیرة النبویة: 2 / 320 قال صلی الله علیه وآله: قتل علیّ لعمرو بن عبدودّ أفضل من عبادة الثقلین. وقال الفخر الرازی فی نهایة العقول فی درایة الاُصول: 114 انه صلی الله علیه وآله قال: لضربة علیّ یوم الخندق أفضل من عبادة الثقلین. وذكر مثله بحار الأنوار فی: 20 / 216 و258. ومثله تاریخ دمشق ترجمة الإمام علیّ علیه السلام: 1 / 155، وفرائد السمطین: 1 / 255 ح 197، وهامش تاریخ دمشق: 155، وشواهد التنزیل: 2 / 14 ح 636، والمناقب للخوارزمی: 169 ح 202 وص 58 الفصل 9، وابن شهرآشوب فی مناقب آل أبی طالب: 2 / 326 ط الغری، وكشف الغمّة للإربلی: 1 / 255، وفی السیرة أیضاً: 1 / 349، وفی كتاب المواقف: 3 / 276، وهدایة المرتاب: 148، وكنز العمّال: 6 / 158 الطبعة الاُولی ، والغدیر: 7 / 206 ط بیروت، وشرح المختار قال ابن أبی الحدید فی (230) فی باب قصار كلام أمیر المؤمنین من نهج البلاغة: 5 / 513 بإضافة:... تعدل أعمال المهاجرین والأنصار وطاعاتهم كلّها وتربی علیها، وفی الدرّ المنثور: 5 / 192، وكذلك البحار: 39 / 1. وها هو علیه السلام یقول:... نشدتكم اللَّه، أفیكم أحدٌ یوم عبر عمرو بن عبدودّ الخندق وكاع عنه جمیع الناس فقتله غیری؟قالوا: اللّهمّ لا. (انظر تاریخ بغداد: 13/19،مقتل الحسین للخوارزمی:45،تلخیص المستدرك: 3 / 32). ویوم الخندق لمّا سكت كلّ منهم ولم یجب طلب عمرو بن عبدودّ العامری. وكادت تكون هزیمة نكراء لو لم ینهض بها علیّ بن أبی طالب، وبهذا قال صلی الله علیه وآله: برز الایمان كلّه إلی الشرك كلّه. وبهذا وذاك تذهب أدراج الریاح إیرادات وإشكالات وتبریرات ابن تیمیة حین قال كما ورد فی السیرة الحلبیة ومعها هامش السیرة النبویة: 2 / 320: إنها أی ضربة علیّ یوم الخندق أفضل من عبادة الثقلین- من الأحادیث الموضوعة الّتی لم ترد فی شی ء من الكتب الّتی یعتمد علیها ولا بسند ضعیف، وكیف یكون قتل كافر أفضل من عبادة الثقلین الإنس والجنّ ومنهم الأنبیاء؟! ثمّ قال: بل إنّ عمرو بن عبدودّ هذا لم یعرف له ذكر إلّا فی هذه الغزوة. والجواب نحن لسنا بصدد هذا الكلام ومناقشته بل نورد ما قاله العلّامة برهان الدین الحلبی الشافعی فی نفس كتابه السیرة الحلبیة وفی نفس الجزء والصفحة: إنّ عمرو بن عبدودّ هذا لم یعرف له ذكر إلّا فی هذه الغزوة، قول لیس له أصل، وكان عمرو بن عبدودّ قد قاتل یوم بدر حتّی أثبتته الجراحة فلم یشهد یوم اُحد، فلمّا كان یوم الخندق خرج معلّماً.... وأ نّه نذر لا یمسّ رأسه دهناً حتّی یقتل محمّد صلی الله علیه وآله... وقوله «كیف یكون قتل كافر أفضل من عبادة الثقلین» فیه نظر لأنّ قتل هذا كان فیه نصرة للدین وخذلان الكافرین... وقال الشیخ المظفر فی دلائل الصدق: 2 / 402: لمبارزة علیّ لعمرو أفضل من... فكان هو السبب فی بقاء الایمان واستمراره وهو السبب فی تمكین المؤمنین من عبادتهم إلی یوم الدین، لكن هذا ببركة النبیّ الحمید ودعوته وجهاده فی الدین... وانظر أیضاً المعیار والموازنة: 91. أمّا وقعة الجمل الأكبر فكانت فی جمادی الثانیة من نفس السنة أی سنة (36 ه) بعد ستة أشهر من خلافة أمیر المؤمنین علیه السلام كما ذكر صاحب أعیان الشیعة: 1 / 447، والكامل لابن الأثیر: 3 / 205، وتاریخ ابن أعثم: 176. ولسنا بصدد بیان ذلك لأننا سنذكرها مفصّلاً بعد قلیل إن شاء اللَّه. وقیل: بایعوا علیاً بعد مضی ثمانیة أیام من قتل عثمان، ورجع إلی المسلمین أمرهم وانحلّوا من كلّ بیعة سابقة توثقهم فتهافتوا علی علیّ بن أبی طالب یطلبون یده للبیعة. انظر تاریخ الطبری: 5/152 و 153، و: 1 / 306 ط اُوروپا، وكنز العمّال: 3 / 161 ح 2471، وتاریخ الفتوح لابن أعثم: 160. وقیل: كان بین قتل عثمان وبیعة علیّ سبعة أیّام، وقیل: انّه بویع بعد أربعة أیّام من قتل عثمان، وقیل: بعد خمسة أیّام، وقیل بعد ثلاثة أیّام. انظر الكامل فی التاریخ: 3 / 190، تاریخ الطبری: 3/450. وروی بسندٍ آخر وقال: اجتمع المهاجرون والأنصار فیهم طلحة والزبیر فأتوا علیّاً فقالوا: یا أبا الحسن، هلمّ نبایعك، فقال: لاحاجة لی فی أمركم، أنا معكم فمن اخترتم فقد رضیت به، فاختاروا واللَّه، فقالوا: واللَّه ما نختار غیرك، قال: فاختلفوا إلیه بعد ما قُتل عثمان (رض) مراراً ثمّ أتوه فی آخر ذلك، فقالوا له: إنّه لا یصلح الناس إلّا بإمرة وقد طال الأمر، فقال لهم: إنكم قد اختلفتم إلیَّ وأتیتم، وإنّی قائل لكم قولاً إن قبلتموه قبلت أمركم وإلّا فلا حاجة لی فیه... وروی البلاذری فی أنساب الأشراف: 5 / 70: وخرج علیّ فأتی منزله، وجاء الناس كلّهم یهرعون إلی علیّ، أصحاب النبیّ وغیرهم، وهم یقولون: إنّ أمیر المؤمنین علیّ، حتّی دخلوا داره فقالوا له: نبایعك، فمدّ یدك فإنّه لابدّ من أمیر، فقال علیّ: لیس ذلك إلیكم إنّما ذلك إلی أهل بدر فمن رضی به أهل بدر فهو خلیفة، فلم یبق أحد من أهل بدر إلّا أتی علیّاً علیه السلام فقالوا: ما نری أحداً أحقّ بهذا الأمر منك... ومثله جاء فی الأخبار الطوال: 140 والعقد الفرید: 2 / 93. وذكر الشیخ المفید أیضاً فی الإرشاد: 332 الفصل 15 من الباب 3 بالإضافة إلی هؤلاء قدامة بن مظعون، وعبداللَّه بن سلام، وأبوسعید الخدری، وزید بن ثابت. وذكر الطبری فی: 3 / 450 المحاورة الّتی جرت بین الإمام علیّ علیه السلام وسعد بن أبی وقاص وعبداللَّه بن عمر. أمّا ترجمة محمّد بن مسلمة بن سلمة بن (مخلد) كماجاء فی وقعة صفین: 448 خالد بن عَدِیّ بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس، شهد بدراً وما بعدها. وكان ممّن لم یبایع علیّاً علیه السلام ولم یشهد معه حروبه. وتوفی سنة (43، 46، 47 ه). انظر ترجمته فی الاستیعاب: 3 / 315، الإصابة: 3 / 363 وجمهرة ابن حزم: 341. فالنعمان بن بشیر الأنصاری الخزرجی ولد قبل وفاة النبیّ صلی الله علیه وآله بثمانی سنین وسبعة أشهر، وقیل: بست سنین، وكان هواه مع عثمان ثمّ مع معاویة ثمّ یزید فی أیام الفتن خلافاً لقومه، وهو الّذی حمل قمیص عثمان وأصابع نائلة من المدینة إلی الشام، فرفعهما معاویة علی منبر المدینة یهیّج به أهل الشام، وولّاه معاویة الكوفة ثمّ حمص. وفی زمن معاویة بن یزید دعا إلی بیعة عبداللَّه بن الزبیر فقتله شیعة بنی اُمیّة بمرج راهط فی ذی الحجة سنة (64 ه) كما جاء ذلك فی ترجمته فی اُسد الغابة: 5 / 22، والإصابة: 3 / 529 تحت رقم 8730، والطبری فی تاریخه: 6 / 77، وابن الأثیر: 3 / 150، وشرح النهج لابن أبی الحدید: 1 / 212، وابن كثیر فی تاریخه: 7 / 319. أمّا رافع بن خدیج فهو أیضاً من الأنصار وقیل: من الاُوس ویكنی أبا عبداللَّه، وشهد اُحداً والخندق، ومات من جُرحٍ كان به من عهد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فانتقض علیه سنة (73) وهو ابن ست وثمانین سنة. (انظر المعارف لابن قتیبة: 307). أمّا فضالة بن عبیدة فقد ذكره الطبری فی تاریخه: 3 / 452 ممّن لم یبایع الإمام علیّ علیه السلام وأضاف: حسّان بن ثابت، وكعب بن مالك، ومسلمة بن مخلد، وأبو سعید الخدری، ومحمّد بن مسلمة والنعمان بن بشیر وزید بن ثابت ورافع بن خدیج وفضالة بن عبید. أمّا كعب بن عجرة فقد ذكره الطبری أیضاً فی تاریخه: 3 / 452 ممّن لم یبایع وأضاف الطبری: فقال رجل لعبداللَّه بن حسن: كیف أبی هؤلاء بیعة علیّ... قال: أمّا حسّان فكان شاعراً لا یبالی ما یصنع، وأمّا زید بن ثابت فولّاه عثمان الدیوان وبیت المال.... أمّا صهیب بن سنان الربعی النمری فقد كان أبوه عاملاً لكسری علی الابلة. فغارت الروم علیهم، وأسرت صهیباً فنشأ فیهم ثمّ باعته إلی كلب فجاءت به إلی مكة، فباعته من عبداللَّه بن جدعان فأعتقه، وكان من السابقین إلی الإسلام الّذین عذّبوا فی مكة وكنّاه الرسول أبا یحیی ، وكان فی لسانه لكنة، توفّی بالمدینة (38 أو 39 ه) ودُفن بها. (انظر اُسد الغابة: 3 / 31- 33). أمّا اُسامة بن زید مولی رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وابن مولاه زید بن حارثة وابن مولاته وحاضنته اُمّ أیمن، وكان یسمّی حبّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أمره صلی الله علیه وآله فی مرض موته علی جیش لغزو الشام. توفّی سنة (54 أو 58 أو 59 ه). راجع ترجمته فی الاستیعاب رقم 12، واُسد الغابة: 1 / 65- 66، وصحیح مسلم: 5 / 114. دخل أبو سفیان فی الإسلام، غیر أنّ المسلمین لم ینسوا مواقفه منهم فكانوا لا ینظرون إلیه ولا یقاعدونه كما جاء فی صحیح مسلم: 7 / 171 وهو القائل: یا بنی اُمیّة تلقّفوها تلقّف الكُرة، فو الّذی یحلف به أبو سفیان ما زلت أرجوها لكم ولتصیرنّ إلی صبیانكم وراثةً... ذكر ذلك صاحب مروج الذهب بهامش ابن الأثیر: 5 / 165- 166. وأضاف صاحب كتاب الأغانی: 6 / 355 والاستیعاب: 690، والنزاع والتخاصم للمقریزی: 20 ط النجف، وغیرهم قوله: فواللَّه ما من جنّةٍ ولا نارٍ، فصاح به عثمان: «قم عنّی، فعل اللَّه بك وفعل». ومعاویةهذا أسلم بعد الفتح وقال فیه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله: لا أشبع اللَّه بطنه. كما ذكره صاحب أنساب الأشراف: 1 / 532، وصحیح مسلم: 8 / 27، وشرح النهج لابن أبی الحدید: 1 / 365 ومسند الطیالسی: ح 2746، وابن كثیر: 8/119وقال فیه صلی الله علیه وآله: فی قصةزواج المهاجرةالّتی استشارت النبیّ صلی الله علیه وآله عندما خطبها:أمّا معاویة فصعلوك. كما جاء فی صحیح مسلم: 4/195، مسند الطیالسی: 228 / 1645، وسنن ابن ماجة: ح 1869. وقال فیه صلی الله علیه وآله عندما نظر إلی أبی سفیان وهو راكب ومعاویة وأخوه أحدهما قائد والآخر سائق: اللّهمّ العن القائد والسائق والراكب. ذكر ذلك الطبری فی تاریخه: 11 / 357، وسبط بن الجوزی فی التذكرة: 115، ووقعة صفّین: 247، والزبیر بن بكّار فی المفاخرات بروایة ابن أبی الحدید عنه فی شرح النهج: 2/103. ولسنا بصدد بیان كلّ ما قاله صلی الله علیه وآله فیه وفی اُسرته كالحكم بن أبی العاص وعقبة بن أبی معیط وغیرهما ونكتفی بروایة الطبری من حوادث سنة (51 ه) والكامل لابن الأثیر: 202- 209 وابن عساكر: 2 / 379 والشیخ محمود أبو ریه: 184- 185 ما نقلوه عن الحسن البصری إنّه كان یقول: أربع خصال كُنّ فی معاویة ولو لم یكن فیه منهنّ إلّا واحدة لكانت موبقة: انتزاؤه علی هذه الاُمة بالسفهاء حتّی ابتزّها أمرها بغیر مشورة وفیهم بقایا وذوو الفضیلة، واستخلافه ابنه بعده سكّیراً خمیراً یلبس الحریر ویضرب الطنابیر وأدعیاؤه زیاداً وقد قال رسول اللَّه: الولد للفراش وللعاهر الحجر، وقتله حجراً وأصحابه، ویل له من حجر وأصحابه، ویل له من حجر وأصحابه. ومن أراد المزید فلیراجع الطبری: 4 / 202، والنبلاء: 1 / 237، ومسند أحمد: 4 / 421، ووقعة صفّین لنصر بن مزاحم: 246، والمعجم الكبیر للطبرانی: 1 / 427، والعقد الفرید: 4 / 345، والطبری: 11 / 357، والإستیعاب: 412، واُسد الغابة: 3 / 106، وتهذیب ابن عساكر: 7 / 206، والإصابة: 2 / 260، والطبقات الكبری: 4 / 222، وصفة الصفوة: 1 / 238، وسیرة ابن هشام: 4 / 179. وذكر ابن أعثم فی الفتوح: 1 / 501 نصّ آخر وهو: بسم اللَّه الرحمن الرحیم، من عبداللَّه علیّ أمیر المؤمنین إلی معاویة بن صخر. أمّا بعد، فإنّ بیعتی لزمتك، وأنا بالمدینة وأنت بالشام، وذلك أ نّه بایعنی القوم الّذین بایعوا أبا بكر وعمر وعثمان، فلیس للشاهد أن یختار ولا للغائب أن یردّ، وأمّا عثمان فقد كان أمره مشكلاً علی الناس المخبر عنه كالأعمی والسامع كالأصمّ، وقد عابه قوم فلم یقبلوه وأحبّه قوم فلم ینصروه، وكذبوا الشاهد واتهموا الغائب، وقد بایعنی الناس بیعةً عامة، من رغب عنها مرق ومن تأخر عنها محق، فاقبل العافیة وأعمل علی حسب ما كتبتُ به، والسلام. وأمّا ابن قتیبة فی تاریخ الخلفاء: 1 / 103 فیقول: إنّ هذه الأقوال فیها من «وأمّا عثمان فقد كان أمره مشكلاً» إلی «واتهموا الغائب» هی من أقوال الحجّاج بن عدی الأنصاری، وهذا الكتاب من الإمام علیّ إلی معاویة هو الثانی ولیس الأوّل كما ذكر صاحب الأخبار الطوال: 175، والعقد الفرید: 4 / 332، ومروج الذهب: 2 / 412. أمّا ابن قتیبة فی كتابه الإمامة والسیاسة: 1 / 67 قال: وكان ابن عباس غائباً بمكة المشرفة، فأقبل إلی المدینة وقد بایع الناس علیاً. قال ابن عباس: فوجدت عنده المغیرة بن شعبة، فجلست حتّی خرج، ثمّ دخلت علیه، فسألنی وساءلته ثمّ قلت له: ما قال لك الخارج من عندك آنفاً؟ قال لی قبل هذه الدخیلة: أرسل إلی عبداللَّه بن عامر بعهده علی البصرة وإلی معاویة بعهده علی الشام، فإنّك تهدی علیك البلاد، وتسكن علیك الناس. ثمّ أتانی الآن فقال لی: إنّی كنت أشرت علیك برأی لم أتعقبه، فلم أر ذلك رأیاً، وإنّی أری إن تنبذ إلیهما العداوة، فقد كفاك اللَّه عثمان، وهما أهون موته منه، فقال له ابن عباس. أمّا المرّة الاُولی نصحك فیها، وأمّا الثانیة فقد غشّك فیها. وذكر ابن أعثم فی الفتوح مثل ذلك بإختلاف بسیط كما فی: 1 / 446، وذكر خمسة أبیات فی الهامش رقم 2 نقلاً عن مروج الذهب: 2 / 16- 17. منحت علیّاً فی ابن حرب نصیحة وذكر القصة أیضاً الطبری فی تاریخه: 5 / 160 وابن أعثم فی الفتوح: 17 / 446. ونقل الطبری أیضاً فی: 3 / 460 قال ابن عباس:.... فوجدت المغیرة مستخلیاً به فحبسنی حتّی خرج من عنده فقلت: ما ذا قال لك هذا؟ فقال: قال لی قبل مرّته هذه: أرسل إلی عبداللَّه بن عامر وإلی معاویة وإلی عمّال عثمان بعهودهم تقرّهم علی أعمالهم ویبایعون لك الناس فإنّهم یهدّئون البلاد ویسكنون الناس، فأبیت ذلك علیه یومئذٍ وقلت له: واللَّه لو كان ساعة من نهار لاجتهدت فیه رأیی ولا ولیت هؤلاء ولا مثلهم یولی قال: ثمّ انصرف من عندی وأنا أعرف فیه أ نّه یری أ نّی مخطئ، ثمّ عاد إلیَّ الآن فقال: إنّی أشرت علیك أوّل مرة بالّذی أشرت وخالفتنی فیه ثمّ رأیت بعد ذلك رأیاً وأنا أری أن تضع الّذی رأیت فتنزعهم وتستعین بمن تثق به فقد كفی اللَّه وهم أهون شوكة ممّا كان... ومثل ذلك جاء فی كتاب الإمامة والسیاسیة لابن قتیبة فی: 1 / 67 مع اختلاف بسیط. من معاویة إلی علیّ، أمّا بعد، فإنه: لیس بینی وبین قیس عتاب أمّا فی تاریخ الطبری: 3/464 ففیه: فدفع إلیه طوماراً مختوماً من معاویةإلی علیّ فقال: إذا دخلت المدینة فاقبض علی أسفل الطومار، ثمّ أوصاه بما یقول وسرح رسول علیّ وخرجا فقدما المدینة فی ربیع الأوّل لغرّته فلمّا دخلا المدینة رفع العبسی الطومار كما أمره، وخرج الناس ینظرون إلیه، فتفرقوا إلی منازلهم وعلموا أنّ معاویة معترض، ومضی حتّی یدخل علی علیّ فدفع إلیه الطومار ففضّ خاتمه فلم یجد فی جوفه كتابه، فقال للرسول: ما وراءك؟ قال: آمن أنا؟ قال: نعم إنّ الرسُل أمنة لا تُقتل. فقام الصلت بن زفر فقال: بئس وافد أهل الشام أنت ورائد أهل العراق، ونعم العون لعلیّ، وبئس العون لمعاویة، یا أخا عبس أتخوّف المهاجرین والأنصار بخضر الخیل وغضب الرجال؟ أما واللَّه ما نخاف غضب رجالك ولاخضر خیلك، فأمّا بكاء أهل الشام علی قمیص عثمان فواللَّه ما هو بقمیص یوسف ولا بحزن یعقوب، ولئن بكوا علیه بالشام لقد خذلوه بالحجاز، وأمّا قتالهم علیّاً فإنّ اللَّه یصنع فی ذلك ما أحب. قال: وإنّ العبسی أقام بالعراق عند علیّ حتّی اتهمه معاویة، ولقیه المهاجرون والأنصار فأشربوه حبّ علیّ، وحدّثوه عن فضائله، حتّی شكّ فی أمره. وذكر ابن أعثم فی الفتوح: 1 / 504 قریب من هذا باختلاف یسیر فی اللفظ مضیفاً: ثمّ وثب إلیه رجل یقال له صلت بن زفر العبسی وهو صاحب حذیفة بن الیمان... قال: وهمّ الناس بالعبسی، وقاموا إلیه بالسیوف، فقال علیّ رضی الله عنه: دعوه فإنه رسول، ولكن خذوا منه الكتاب. قال: فأخذ الكتاب من یده ودفع إلی علیّ، فلمّا فضّه لم یر فیه شیئاً أكثر من «بسم اللَّه الرحمن الرحیم». قال: فعلم أنّ معاویة یحاربه وأنه لن یجیبه إلی شی ء، فقال: لا حول ولا قوّة إلّا باللَّه العلیّ العظیم، حسبیَ اللَّه ونعم الوكیل، فأنشأ قیس بن سعد بن عبادة وهو یرتجز ویقول شعراً: معاوی لا تعجل علینا معاویاً إلی آخر الأبیات، ولسنا بصددها لأنّ بعضها مطموسة. قال: ثمّ إنّ العبسی رسول معاویة قام إلی علیّ رضی الله عنه فقال: یا أمیر المؤمنین، واللَّه لقد أقبلتُ وأنا من أشدّ الناس علیك حنقاً لما أخبرنی عنك أهل الشام، وقد واللَّه أبصرت الآن ما فیه أهل الشام من الضلال وما أنت فیه من الهدی، لا واللَّه ما كنت بالّذی اُفارقك أبداً ولا أموت إلّا تحت ركابك، ثمّ إنّه كتب إلی معاویة أبیاتاً مطلعها: كدت أهل العراق بالبلد الشا إلی آخر الأبیات، ولسنا بصددها أیضاً قال: فلمّا انتهی شعره إلی معاویة ونظر إلیه فی عجب لذلك ثمّ أقبل علی مَن بحضرته وقال: قاتله اللَّه لقد قال وأبلغ ویله، إنّما بعثناه رسولاً فصار علینا محرّضاً. من خلال التتبع التاریخی لم نعثر علی كلمة للإمام الحسن بن علیّ علیهما السلام ربیب النبوّة والعصمة انّه یخاطب أبیه بهذا الخطاب الّذی لا یصدر من الإنسان العرفی فكیف به إذا صدر من أهل التشریع والتطهیر بنصّ الآیة الكریمة (إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَكُمْ تَطْهِیرًا) وبما نحن بصدد تحقیق الكتاب ولسنا بصدد تفنیده وكما قلنا سابقاً فتارةً نتفق معه واُخری نختلف معه، فمثلاً الطبری اعتمد فی نقل كلام الإمام الحسن علیه السلام فی: 3 / 474 عن سیف المعروف والّذی تركنا ترجمته للقارئ الكریم بمراجعة المصادر فقط حتّی یعرف هو بنفسه من هو سیف، وفی المرة الثانیة اعتمد الطبری فی: 3 / 476 علی صاحب جمل عائشة، هذا أوّلاً. وثانیاً: أنّ ابن قتیبة ذكر ذلك فی: 1 / 68 بعد أن ورد كتاب معاویه إلی علیّ، ورأی ما فیه وهو مشتمل علیه، وكره ذلك وقام فأتی منزله فدخل علیه الحسن ابنه، فقال له... بینما الطبری یقول قال ذلك الكلام بعد أن ترك علیّ الربذة وسأله شهاب بن طارق أو طارق بن شهاب علی ما ذكرنا سابقاً، وهذا الاختلاف بحدّ ذاته كافٍ لنقضه. وثالثاً: حسب ما نعتقد بأنّ الإمام الحسن علیه السلام ربما أشار علی والده ذلك من باب طرح الرأی، وهذا لیس بغریب وطالما كان علیه السلام یشاور أصحابه فكیف بمشورة ابن العصمة وهو القائل له: أنت بعضی بل أنت كلّی. ورابعاً: أو أنّ الإمام الحسن علیه السلام كان یطرح السؤال والإمام یجیب علی ذلك، وهذا واضح من خلال القصة وجواب الإمام علیّ علیه السلام لابنه الحسن علیه السلام: فواللَّه لقد اُحیط بنا كما اُحیط به. وهذا ما نقله الطبری فی: 3 / 474، و: 5 / 170 ط اُخری. وخامساً: بعد كلّ هذا وذاك نقول: إنّ الإمام الحسن علیه السلام قد تابع الاُمور بدقة مع أبیه علیه السلام منذ أن حوصر عثمان بن عفان وكان فی مقدّمة المدافعین عنه كما یذكر صاحب كتاب أنساب الأشراف فی: 5 / 69 والطبری أیضاً فی تاریخه: 5 / 118، وابن الأثیر فی الكامل: 3 / 68- 70. وخلاصة كلامهم: وبلغ علیاً أنّ القوم یریدون قتل عثمان... فقال للحسن والحسین اذهبا بسیفیكما حتّی تقوما علی باب عثمان فلا تدعا أحداً یصل إلیه... فخضّب الحسن بالدماء علی بابه وشبّح قنبر مولی علیّ، فلمّا رأی ذلك محمّد بن أبی بكر خشی أن یغضب بنو هاشم لحال الحسن والحسین فیثیروها فتنة فأخذ بید رجلین فقال لهما: إن جاءت بنو هاشم فرأت الدماء علی وجه الحسن كشفوا الناس عن عثمان وبطل ما تریدون... وأضاف البلاذری: أن علیاً لمّا بلغه الخبر جاء وقال لابنیه: كیف قُتل وأنتما علی الباب؟ فلطم هذا وضرب صدر ذاك وخرج وهو غضبان... وروی الطبری أیضاً فی: 5 / 113، والبلاذری: 5 /69 أنه بلغ ذلك علیاً- مَنع عثمان من شرب الماء- فبعث إلیه بثلات قرب مملؤة فما كادت تصل إلیه وجرح بسببها عدّة من موالی بنی هاشم... وفی مروج الذهب: 1 / 441 مثله، وكذا فی الفتوح لأبن أعثم: 1 / 416. هذا من جهة ومن جهة ثانیة أنّ الإمام الحسن علیه السلام یعلم كیفیة البیعة لأبیه علیه السلام بعد مقتل الخلیفه عثمان وتهافت المهاجرین والأنصار بما فیهم طلحة، والزبیر وقوله علیه السلام لهم: وأنا لكم وزیراً خیرٌ لكم منّی أمیراً. (انظر نهج البلاغة صبحی الصالح: خطبة 92). وقوله علیه السلام: لاحاجة لی فی أمركم، أنا معكم فمن اخترتم فقد رضیت به... وقوله علیه السلام: إنّی قد كنت كارهاً لأمركم فأبیتم إلّا أن أكون علیكم... وهو الّذی ذهب إلی دار طلحة وقال له: یا أبا محمّد إن النّاس قد اجتمعوا إلیَّ فی البیعة، وأمّا أنا فلا حاجة لی فیها، فابسط یدك حتّی یبایعك الناس، فقال طلحة: یا أبا الحسن، أنت أولی بهذا الأمر وأحقّ به منّی لفضلك... بالإضافة إلی ذلك أنّ الإمام الحسن علیه السلام یعرف ویراقب الوفود القادمة من الیمن وغیرها تبایع أبیه علیه السلام طائعین غیر مكرهین ویسمع الأبیات الشعریة فی تهنئته وقوله علیه السلام: فما راعنی إلّا والناس كعُرف الضبع إلیَّ ینثالون علیَّ من كلّ جانب، حتّی لقد وطئ الحسنان وشقّ عِطفای مجتمعین حولی كربیضة الغنم. فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت اُخری ،وقسط آخرون (انظر نهج البلاغة: خطبة 3 المسمّاة بالشقشقیة. ولسنا بصدد شرح ذلك وانّما نحیل القارئ إلی المصادر الّتی ذكرت ذلك والّتی تدلّ علی أنّ الإمام الحسن علیه السلام بعد معرفته بهذا كلّه یعترض علی أبیه علیه السلام لا ندری ولكن نقول كما قالوا: إن عشت أراك الدهر عجباً. انظر الطبری فی تاریخه: 5 / 152، و: 1 / 3066 ط اُوربا، كنز العمّال: 3 / 161 ح 2471، ابن أعثم فی تاریخه: 160، أنساب الأشراف: 5 / 70، الحاكم فی المستدرك: 3 / 114، تاریخ الیعقوبی: 2 / 178، ابن أعثم فی الفتوح: 2 / 259 ط حیدرآباد، و: 1 / 431- 450 دار الكتب العلمیة بیروت، الإصابة: 6 / 276، الإمامة والسیاسة لابن قتیبة: 1 / 65 و70. وسادساً: لقد كان الإمام علیّ علیه السلام یتصرّف تصرّف الحجّة فهو الّذی لم یرفع سیفاً بعد وفاة الرسول صلی الله علیه وآله علی الرغم من معرفته باغتصاب حقّه، والإمام الحسن علیه السلام یعرف ذلك أیضاً، لكن قتال هؤلاء وعدٌ وعهدٌ عهده إلیه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله كما قال الخوارزمی فی مناقبه: 125 و 221: أخبرنی سیّد الحفّاظ أبو منصور شهردار بن شیرویه بن شهردار الدیلمی فیما كتب إلیَّ من همدان، أخبرنی الشیخ العالم محی السنّة أبو الفتوح عبدوس بن عبداللَّه بن عبدوس الهمدانی كتابه،أخبرنی أبوالحسین أحمد بن محمّد بن تمیم الحنظلی بقنطرة بردان.... حدّثنی جدّی سعد بن عبادة عن علیّ علیه السلام قال: اُمرت بقتال ثلاثة: الناكثین، والقاسطین، والمارقین، أمّا القاسطون فأهل الشام، وأمّا الناكثون فأهل الجمل، وأمّا المارقون فأهل النهروان. وقال ابن عساكر فی: 3 / 200 ط بیروت من ترجمة الإمام علیّ علیه السلام مثله عن زید بن علیّ... عن علیّ قال: أمرنی رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بقتال الناكثین والمارقین والقاسطین. ومثله عن علیّ بن ربیعه قال سمعت علیاً یقول: عهد إلیَّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أن اُقاتل الناكثین والقاسطین والمارقین. ومثله عن أنس بن عمرو... عن علیّ قال: اُمرت بقتال ثلاثة: المارقین، والقاسطین، والناكثین. ومثله عن إبراهیم عن علقمة ومثله أیضاً عن خلید القصری قال: سمعت أمیر المؤمنین علیّ یقول یوم النهروان: أمرنی رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بقتال الناكثین، والمارقین، والقاسطین. وانظر مستدرك الصحیحین: 3 / 139، تاریخ بغداد: 8 / 340، و: 13 / 186، كنز العمّال: 6 / 72 و82 و88 و155 و319 و392، و: 8 / 215، اُسد الغابة: 4 / 32 و33، السیوطی فی الدرّ المنثور تفسیر سورة الزخرف آیة: 41 class="q"> (، مجمع الزوائد: 7/238، و: 9 / 235، فرائد السمطین: 1 / 281 و283، أرجح المطالب: 602، الریاض النضرة: 2 / 240. وانظر قوله صلی الله علیه وآله لعمّار: تقتلك الفئة الباغیة فی: صحیح البخاری: 1 / 122، صحیح مسلم: 4/2235، صحیح الترمذی: 5/669، مسند أحمد: 2/161 و164، و: 4 / 197، و: 6/289، مسند أبی داود الطیالسی: 3 / 90، حلیة الأولیاء: 4 / 112، تاریخ بغداد: 13 / 186، و: 5 / 315، و: 7 / 414، طبقات ابن سعد: 3 / 177، الطرائف لابن طاووس: 1 / 103. سابعاً: حسب اعتقادنا أنّ القائل هو اُسامة بن زید من خلال ما قاله ابن أعثم فی الفتوح الطبعة الاُولی دار الكتب العلمیة بیروت: 1 / 421 قال: وأقبل اُسامة بن زید إلی علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه فقال: یا أبا الحسن، واللَّه لأنّك أعزّ علی سمعی وبصری، وإنّی اُعلمك أنّ هذا الرجل- یعنی عثمان بن عفان- لیُقتل، فاخرج من المدینة وصر إلی ضیعتك ینبع، فإنّه إن قُتل وأنت بالمدینة شاهد رماك الناس بقتله، وإن قُتل وأنت غائب لم یعذل بك أحد من الناس بعده، فقال له علیّ: ویحك، واللَّه إنّك لتعلم أ نّی ما كنت فی هذا الأمر إلّا كالآخذ بذنب الأسد، وما كان لی فیه من أمر ولا نهی. وممّا جاء فی تاریخ ابن أعثم: 1 / 440 الطبعة الاُولی دار الكتب العلمیة بیروت: فوثب إلی علیّ رضی الله عنه رجل اسمه زیاد بن حنظلة التمیمی فقال: یا أمیر المؤمنین أمّا الرأی إلّا ما رأیت وأنه من عاند نفسه فإنك غیر مشفع به، فإن بایعك كرهاً فدع عنك هؤلاء الراغبین عنك، فواللَّه لأنت الأمین والمأمون علی الدنیا، والسلام. ثمّ أنشأ التمیمی أبیاتاً مطلعها: أبا حسنٍ متی ما تدع فینا ولا نرید التعلیق أكثر ممّا قاله العلّامة العسكری فی: 1/302 من كتابه خمسون ومائه صحابی مختلق: هذه روایة سیف عند الطبری ومن الطبری أخذ ابن الأثیر... وعلی هذه الروایة اعتمد صاحب الاستیعاب ومن تبعه فی قولهم: «وكان منقطعاً إلی علیّ».... ولم نجد عنه غیر سیف شیئاً ممّا ذكره سیف هنا ولا ذكراً لزیاد فی حروب الإمام فی الجمل وصفّین ونهروان ولا ذكراً فی تراجم شیعة الإمام وأصحابه. ونقل المامقانی جمیع ما ذكره صاحب اُسد الغابة وبعض ما ذكره صاحب الاستیعاب... قال المامقانی: إنّی اعتبر الرجل إمامیاً، حسن الحال، فراجع. وأمّا ابن أعثم فی الفتوح: 1 / 472 فقال: ثمّ وثب علیّ رضی الله عنه فعبأ أصحابه، وكان علی خیل میمنته عمّار بن یاسر، وعلی الرجّالة شریح بن هانئ، وعلی خیل المیسرة سعید بن قیس الهمدانی، وعلی رجّالتها رفاعة بن شدّاد البجلی، وعلی خیل القلب محمّد بن أبی بكر، وعلی رجّالتها عدی بن حاتم الطائی، وعلی خیل الجناح زیاد بن كعب الأرحبی، وعلی رجّالتها حجر بن عدی الكندی، وعلی خیل الكمین عمرو بن الحمق الخزاعی، وعلی رجّالتها جندب بن زهیر الأزدی. قال: ثمّ جعل علیّ رضی الله عنه علی كلّ قبیلة من قبائل العرب سیّداً من ساداتهم یرجعون إلیه فی اُمورهم... ونكتفی بهذا لإننا لسنا بصدد البیان والمقارنة. ذكر ابن أبی الحدید فی شرح النهج: 2 / 157 ط ایران قال: لمّا نزل علیّ ذاقار كتبت عائشة إلی حفصة بنت عمر: أمّا بعد، فإنّی اُخبرك أنّ علیاً قد نزل ذاقار، وأقام به مرعوباً خائفاً لما بلغه من عدّتنا وجماعتنا، فهو بمنزلة الأشقر، إن تقدّم عُقر، وإن تأخرّ نُحر، فدعت حفصة جوارٍ لها یتغنّین ویَضْربْن بالدفوف فأمرتهنّ أن یقلن فی غنائهن: ما الخبر؟ ما الخبر؟ علیّ فی السفر، كالفرس الأشقر، إن تقدّم عقر، وإن تأخّر نُحر. وأضاف الطبری أیضاً: فقال لی: یا أخا عرینة هل لك دلالة بالطریق؟ قال: قلت: نعم أنا من أدرك الناس، قال فسر معنا، فسرت معهم فلا أمرّ علی وادٍ ولا ماء إلّا سألونی عنه حتّی طرقنا ماء الحوأب فنبحتنا كلابها قالوا: أیّ ماء هذا؟ قلت: ماء الحوأب. قال: فصرخت عائشة بأعلی صوتها ثمّ ضربت عضد بعیرها فأناخته ثمّ قالت: أنا واللَّه صاحبة الحوأب طُروقاً رُدّونی- تقول ذلك ثلاثاً- فأناخت وأناخوا حولها وهم علی ذلك وهی تأبی حتّی كانت الساعة الّتی أناخوا فیها من الغد. قال فجاءها ابن الزبیر فقال: النجا النجا فقد أدرككم واللَّه علیّ بن أبی طالب. قال: فارتحلوا وشتمونی فانصرفت... وذكر ابن أعثم فی الفتوح: 1 / 460 بعد أن ذكر الواقعة أنّ عائشة قد تقدّمت فیمن معها من الناس، حتّی إذا بلغت إلی ماء الحوأب وذلك فی وقت السحر نبحت الكلاب، فسمعت عائشة رجلاً من أهل عسكرها یسأل ویقول: أیّ ماء هذا؟ فقیل له: هذا ماء الحوأب، فقالت عائشة: ردّونی، فقیل لها: ولِمَ ذلك؟ فقالت: لأنی سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وهو یقول كأنی بامرأة من نسائی تنبح علیها كلاب الحوأب، فاتقی اللَّه أن تكونی أنتِ یا حمیراء. قال: ونزل القوم هنالك، فما أصبحوا إذا عبداللَّه بن الزبیر قد أتی بخمسین رجلاً یشهدون عندها أنّ هذا الماء لیس بماء الحوأب وأنهم قد جاوزوا ماء الحوأب بلیل، قال: فكانت هذه الشهادة أول شهادة زور شهد بها فی الإسلام. وقال أبو مخنف: ولما انتهت عائشة فی مسیرها إلی الحوأب- وهو ماء لبنی عامر بن صعصعة- نبحتها الكلاب حتّی نفرت صعاب إبلها، فقال قائل من أصحابها: ألا ترون ما أكثر كلاب الحوأب وما أشدّ نباحها؟ فأمسكت عائشة زمام بعیرها، وقالت: وإنّها لكلاب الحوأب، ردّونی ردّونی، فإنّی سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله یقول: كیف بإحداكنّ إذا نبحتها كلاب الحوأب... فقال لها قائل: مهلاً یرحمك اللَّه، فقد جُزنا ماء الحوأب، فقالت: فهل من شاهد؟ فلفّقوا لها خمسین أعرابیاً، فجعلوا لهم جُعلاً فحلفوا لها أنّ هذا لیس بماء الحوأب، فسارت عائشة لوجهها. (انظر شرح النهج لابن أبی الحدید: 6/225، مروج الذهب: 2/366، البحار: 32/139، أعیان الشیعة: 1/451، تاریخ الطبری: 5/178، وط اُوروبا: 1/3127). وقد روی الحافظ أبو بكر البزار عن ابن عباس كما أخرجه ابن كثیر فی تاریخه: 6 / 212، والسیوطی فی خصائصه: 2 / 137 قال: قال رسول اللَّه، لیت شعری أیتكنّ صاحبة الجمل الأدیب، تسیر حتّی تنبحها كلاب الحوأب، ویُقتل عن یسارها وعن یمینها خلق كثیر... ثمّ تنجو بعدما كادت؟ فضحكت عائشة فقال لها: انظری یا حمیراء أن لا تكونی أنت، تقاتلین علیاً وأنتِ له ظالمة.... وعلّق ابن عبد البرّ علی الحدیث فی الاستیعاب عندما ترجم لعائشة قائلاً: وهذا الحدیث من أعلام نبوته. وعصام ابن قدامة- أحد رواة الحدیث- ثقة وسائر الأسناد أشهر من أن یحتاج لذكره. وروی البیهقی عن اُمّ سلمة قالت: ذكر النبی خروج بعض اُمهات المؤمنین فضحكت عائشة فقال لها: انظری یا حمیراء أن لا تكونی أنت، ثمّ التفت إلی علیّ وقال: یا علیّ إن ولّیت من أمرها شیئاً فارفق بها. أخرجه ابن كثیر فی: 6 / 112، والسیوطی فی خصائصه: 2 / 136، والخوارزمی فی المناقب تحت عنوان قتال أهل الجمل، والمستدرك: 3 / 119، والإصابة: 62، والعقد الفرید لابن عبد ربه: 3 / 108، والسیرة الحلبیة: 3 / 320. وفی مسند أحمد: 6 / 97 أنّ الزبیر قال عند ذلك: ترجعین عسی اللَّه عزّوجلّ أن یصلح بك بین الناس. قال ابن كثیر: 7 / 230 وهذا أسناد علی شرط الشیخین ولم یخرجاه. وفی المستدرك: 3 / 120: قال الزبیر: لا تقدمی ویراك الناس... الحدیث. وفی الطبری: 3 / 485 عن الزهری: فأرادت الرجوع فأتاها عبداللَّه بن الزبیر... وفی البدایة والنهایة لابن كثیر: 7 / 230 أنّ الزبیر قال لها: إنّ الّذی أخبرك أنّ هذا ماء الحوأب قد كذب. وروی ذلك أبو الفداء فی تاریخه: 173. أمّا المسعودی فی مروج الذهب: 2 / 7 فقد ذكر أنّ ابن الزبیر قال: باللَّه ما هذا الحوأب ولقد غلط فی ما أخبرك به، وكان طلحة فی ساقة الناس فلحقها، فأقسم أنّ ذلك لیس بالحوأب... وفی تاریخ الیعقوبی: 2 / 157 والكنز: 6 / 83 أنّ عائشة قالت ردّونی ردّونی... فأتاها القوم بأربعین رجلاً فأقسموا باللَّه أنه لیس بماء الحوأب. ومن أراد المزید فلیراجع ابن الأثیر فی مادة (الحوأب) من كتابه النهایة، والزمخشری فی الفائق، والحموی فی معجم البلدان، وابن الطقطقی فی الفخری: 78 ط المصریة، والزبیدی: 1 / 195 و244، ومسند أحمد: 6 / 52 و97، وابن أعثم فی: 168، والسمعانی فی ترجمة الحوأبی فی الأنساب، والسیرة الحلبیة: 3 / 320، ومنتخب الكنز: 5 / 444. وقفة قصیرة مع الطبری: بعد كلّ هذا وذاك لا ندری ممّن جاء المؤرّخ الكبیر الطبری فی تاریخه: 2 / 495- 497 أو فی: 1 / 1901 ط اوروبا من حوادث السنة الحادیة عشرة للهجرة وفی «ذكر ردّة هوازن وسلیم وعامر» أنّ اُم زِمل سلمی بنت مالك بن حذیفة بن بدر الفزاریة اُم قرفة الصغری ابنة عمّ عیینة بن حصن- كما جاء فی الإصابة: 4 / 315- قیل: هی حفیدة اُم قرفة وقیل: كانت تُشبَّهُ بالعز (باُمِّها) اُم قرفة الكبری - الّتی قتلها زید بن حارثة لمّا سبی بنی فزارة، وكانت سلمی سبیت فأعتقتها عائشة ودخل النبی صلی الله علیه وآله وهی عندها فقال: إنّ إحداكنّ تستنبح كلاب الحوأب، قالوا: وكان یُعلَّق فی بیت اُم قرفة خمسون سیفاً لخمسین رجلاً كلّهم لها محرم، فما أدری أهذه؟ اُم اُمه قرفة الكبری » انتهی كلام صاحب الإصابة. وأورد السیّد العلّامة مرتضی العسكری فی كتابه خمسون ومائة صحابی مختلق: 2 / 234 ط صدر، خبران: أحدهما فی طبقات ابن سعد وعلّق علیه الیعقوبی. وروی ابن هشام والطبری أیضاً والمقریزی وخلاصته: أصاب سلمة بن عمرو بن الأكوع بنت اُم قرفة فی تلك الغزوة- غزوة زید بن حارثة إلی الشام- فوهبها لرسول اللَّه فأهداها النبی لخاله حزن بن أبی وهب، فولدت له عبدالرحمن بن حزن. أمّا الخبر الثانی فقد أورده الطبری فی ذكر ردة هوازن وسلیم وعامر وهو الخبر الّذی ذكر فیه أنّ اُمّ زِمل سلمی بنت مالك هی صاحبة الجمل حین قال: وعندها جمل اُم قرفة فنزلوا إلیها فذمَّرتهم وأمرتهم بالحرب وصعّدت سائرة مِنهم وصوَّبت تدعوهم إلی حرب خالد... وساق الحدیث إلی أن قال: ففعلت ذلك سلمی حین ارتدّت، فسیّرت فی ما بین ظفر والحوأب لتجمع إلیها كلّ فلّ ومضیق علیه من تلك الأحیاء، فلمّا بلغ ذلك خالداً سار إلیها واقتتل الفریقان... وهی واقفة علی جَمل اُمِّها... فاجتمع علی الجمل فوارس فعقروه وقتلوها وقُتل حول جملها مائة رجل... وأورد الحموی هذه الروایة أیضاً فی كتابه معجم البلدان وابن حجر فی الإصابة ولكنهما لم یسندوها إلی راویها كما یقول العلّامة العسكری فی كتابه عبداللَّه بن سبأ: 1 / 214 ط 5 دار الزهراء بیروت. ثمّ یضیف العلّامة العسكری: أنّ قصة اُم قرفة كانت فی سریة زید إلی بنی فزارة فی السنة السادسة من الهجرة. فقتل المقاتلة وسبی النساء والذرّیة وكان لحذیفة بن بدر ثلاثة عشر ولداً قُتلوا وابنة اسمها جاریة سبیت فأهداها النبی إلی خاله.... انظر المصادر التالیة: ابن هشام فی السیرة: 4 / 291، طبقات ابن سعد: 2 / 90 ط بیروت، تاریخ الیعقوبی: 2 / 44 ط بیروت، تاریخ الطبری: 3 / 83 وط اُوربا: 1 / 1558، والمحبر لمحمّد بن حبیب: 490، وعیون الأثر: 2 / 111 والإمتاع: 269، وجمهرة أنساب العرب: 245. وأمّا ابن حجر فإن ما أورده فی: 4 / 325 من ترجمة سلمی اُم زِمل فانّها مستخرجة من أحادیث سیف... ونكتفی بنقل كلام العلّامة العسكری حین قال فی: 1 / 214 من كتابه عبداللَّه بن سبأ الطبعة الخامسة: ولا أدری من أین جاء سیف بسلمی اُم زِمل إلی عائشة وكیف أخرجها إلی ظفر والحوأب. وكان قوم حذیفة بوادی القری بین الشام والمدینة، والحوأب علی طریق البصرة... انّما وضع سیف هذه الاُسطورة دفاعاً عن اُم المؤمنین عائشة فی ما ذكر المؤرّخون من نباح كلاب الحوأب علی جملها عند ذهابها لحرب البصرة... ویضیف العلّامة فی كتابه خمسون ومائه صحابی مختلق: 2 / 239 ط 6 فیقول: وباختراع اُسطورة جمل اُمّ قرفة وركوب اُمّ زِمل أیّاه أیّام ارتدادها ونباح كلاب الحوأب علیها، وأراد أن یطمس به خبر نباح كلاب الحوأب علی جمل اُمّ المؤمنین عائشة من معالم النبوّة ولم ینجح. أیها القارئ العزیز، اعلم أنّ الطبری أثبت- فی تاریخه المعروف بتاریخ الاُمم والملوك: 3 / 475 منشورات مؤسسة الاعلمی للمطبوعات بیروت والّذی راجعه وصحّحه وضبطه نخبة من العلماء الاجلّاء وقابلوها علی النسخة المطبوعة بمطبعة «بریل» بمدینة لیدن فی سنة 1879 م- أنّ عائشة نبحتها كلاب الحوأب... قال: فصرخت عائشة بأعلی صوتها ثمّ ضربت بعیرها فأناخته ثمّ قالت: أنا واللَّه صاحبة كلاب الحوأب طُروقاً ردّونی، تقول ذلك ثلاثاً... وقد أشرنا إلی ذلك آنفاً فراجع وحكّم ضمیرك فی هذا التناقض. وانظر مستدرك الصحیحین: 3 / 119 و120 روی الحدیث بسنده عن اُم سلمة قالت: ذكر النبی صلی الله علیه وآله خروج بعض اُمهات المؤمنین فضحكت عائشة فقال: انظری یا حمیراء أن لا تكونی أنت... الحدیث، وكنز العمّال: 6 / 84 عن طاووس... وسنده صحیح، ومجمع الزوائد: 7 / 234، و: 8 / 289، و: 9 / 112، وفتح الباری: 16 / 165، الاستیعاب لابن عبدالبرّ: 2 / 185، مسند أحمد: 6 / 393 بسنده عن أبی رافع أنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال لعلیّ علیه السلام: إنه سیكون بینك وبین عائشة أمر، فقال: أنا یااللَّه؟ قال: نعم، قال: أنا؟ قال: نعم، قال: فأنا أشقاهم یا رسول اللَّه، قال: لا ولكن إذا كان ذلك فارددها إلی مأمنها، وذكر ذلك المتقی الهندی فی الكنز: 6 / 410، ومجمع الزوائد: 7 / 234. وروی البخاری فی صحیحه فی كتاب بدء الخلق، والترمذی فی صحیحه باب الفتن، والنسائی فی ج 2 باب النهی عن استعمال النساء فی الحكم. والخلاصة: أنّ النبی صلی الله علیه وآله یحذّر عائشة من أن تنبحها كلاب الحوأب. وقد نقل أهل السیر والأخبار ذلك بألفاظ متعدّدة فمن شاء فلیراجع المصادر السابقة بالإضافة إلی العقد الفرید: 4 / 330 الطبعة الثانیة، و: 2 / 283 الطبعة الثانیة، و: 2 / 283 ط آخر، والنهایة لابن الأثیر: 1 / 456، و: 2 / 96، كفایة الطالب: 171 ط الحیدریة و71 ط الغری، إسعاف الراغبین بهامش نور الأبصار: 64 ط العثمانیة و65 ط السعیدیة، الاستیعاب بهامش الإصابة: 4 / 361، تاج العروس: 1 / 244، الغدیر: 3 / 188. ونلفت انتباه القارئ الكریم أنّ الرسول صلی الله علیه وآله ذات مرّة قام خطیباً علی منبره وأشار نحو مسكن عائشة قائلاً: هاهنا الفتنة، هاهنا الفتنة، هاهنا الفتنة؛ حیث یطلع قرن الشیطان. انظر صحیح البخاری كتاب الجهاد والسیر باب ما جاء فی بیوت أزواج النبی صلی الله علیه وآله: 4 / 46، و: 2 / 125 ط دار الفكر اُفست علی طبعه استانبول، و: 4 / 100 ط مطابع الشعب وط محمّد علیّ صبیح، و:2 / 189 ط دار إحیاء الكتب، و: 2 / 127 ط المعاهد بالقاهرة، و: 2 / 132 ط الشرفیة، و: 4 / 65 ط الفجالة، و: 2 / 177 ط المیمنیة بمصر، و: 4 / 4 ط بمبی. ویوجد فی صحیح مسلم كتاب الفتن من الشرق: 2 / 560 و503 ط اُخری، و ط عیسی الحلبی بمصر ولفظ الحدیث: خرج رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من بیت عائشة، فقال: رأس الكفر من هاهنا من حیث یطلع قرن الشیطان. وكذلك فی: 8 / 181 ط شركة الاعلانات، و ط المكتبة التجاریة، و: 18 / 31 بشرح النووی ط المطبعة المصریة. ولسنا بصدد بیان هذا الیوم وبیان حال ووثاقة سیف بن عمر ومختلقاته، لكن نكتفی بما نقله العلّامة العسكری فی كتابه عبداللَّه بن سبأ: 1 / 264 ط 5 مط دار الزهراء بیروت ما ملخصه: إنّ خبر مشایعة اُمّهات المؤمنین لاُمّ المؤمنین عائشة إلی ذات عرق لم نجد لهذا الخبر أثراً غیر ما روی من حدیث اُم سلمة أو كتابها إلی عائشة لمّا همّت بالخروج: یا عائشه، إنّك سدّة بین رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وبین اُمّته، حجابك مضروب علی حرمته، وقد جمع القرآن ذیلك فلا تندحیه، وسكن اللَّه عُقیراك فلا تصحریها، اللَّه من وراء هذه الاُمة، قد علم رسول اللَّه مكانك لو أراد أن یعهد فیك عهد بل قد نهاك عن الفرطة فی البلاد، ما كنت قائلة لو أنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قد عارضك بأطراف الفلوات ناصّة قلوصك قعوداً من منهل إلی منهل؟ إنّ بعین اللَّه مثواك، وعلی رسول اللَّه صلی الله علیه وآله تعرضین، ولو اُمرت بدخول الفردوس لاستحییت أن ألقی محمّداً هاتكة حجاباً جعله اللَّه علیّ، فاجعلیه سترك، وقاعة البیت قبرك حتّی تلقیه وهو عنك راضٍ. وذكر هذه المكاتبة والمراسلة بینهما ابن طیفور فی بلاغات النساء: 8، والزمخشری فی الفائق: 1/290، وباختلاف یسیر فی الإمامة والسیاسة لابن قتیبة: 1/76 تحقیق علیّ شری منشورات الشریف الرضی، وابن أعثم فی الفتوح: 1 / 456 الطبعة الاُولی دار الكتب العلمیة بیروت. وأضاف صاحب العقد الفرید: 3 / 69، و: 4 / 317 ط دار الكتاب العربی: ولو أ نّی حدّثتك بحدیث سمعته من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لَنَهشْتِنی نهش الحیَّة الرقشاء المطرقة والسلام. فقالت: عائشة: یا اُمّ سلمة، ما أقبلنی لوعظك، وأعرفنی بنصحك لیس الأمر كما تقولین، ولنعم المطلع مطلعاً أصلحت فیه بین فئتین متناجزتین. وفی المحاسن والمساوئ للبیهقی: 1 / 481 ط مكتبة نهضة مصر: أنّ اُمّ سلمة حلفت أن لا تكلّم عائشة من أجل مسیرها إلی حرب علیّ... فلم تكلّمها حتّی ماتت. (انظر المعیار والموازنة للاسكافی المعتزلی: 27- 29، الغدیر: 9 / 83 و 319، وشرح النهج لابن أبی الحدید: 2 / 79، وتذكرة الخواصّ: 65. وكتبت اُمّ سلمة إلی علیّ علیه السلام من مكة كتاباً جاء فیه: أمّا بعد، فإنّ طلحة والزبیر وأشیاع الضلالة یریدون أن یخرجوا بعائشة ومعهم عبداللَّه بن عامر، یذكرون أنّ عثمان قُتل مظلوماً واللَّه كافیهم بحوله وقوته، ولولا مانهانا اللَّه عن الخروج وأنت لم ترض به لم أدع الخروج إلیك والنصرة لك، ولكنی باعثة الیك بابنی وهو عدل نفسی عمر بن أبی سلمة یشهد مشاهدك فاستوص به یا أمیر المؤمنین خیراً، فلمّا قدم عمر علی علیّ أكرمه ولم یزل معه حتّی شهد مشاهده كلّها. (انظر المعیار والموازنة: 30، تذكرة الخواصّ: 65، تاریخ الطبری: 5 / 167، الكامل فی التاریخ: 3 / 113). وذكر هذه القصّة الطبری فی تاریخه: 3 / 492، وفی: 5 / 183 ط اُخری، و: 1 / 3137 ط اُوربا، والمستدرك: 3/118 بتفصیل أكثر، وفی 372 أیضاً: عن علقمة بن وقاص اللیثی قال:لمّا خرج طلحة والزبیر وعائشة (رض) رأیت طلحة وأحب المجالس... وهو ضارب بلحیته علی زوره، فقلت: یا أبا محمّد أری... وأنت ضارب بلحیتك علی زورك... قلت: فرد محمّد بن طلحة فإنّ لك ضیعة ضیعة... فقال: ما اُحبّ أن أری أحداً یخلف فی هذا الأمر فأمنعه. قال: فأتیت محمّد بن طلحة فقلت.... وانظر أیضاً مروج الذهب بهامش الكامل: 6 / 55، مقاتل الطالبیین: 73 و 75 ط اُخری، ابن عساكر فی تاریخه: 4 / 226، تاریخ الیعقوبی: 2 / 225 دار بیروت، ابن الأثیر: 2 / 197، ابن شحنة بهامش ابن الأثیر: 11 / 132، ابن كثیر فی البدایة والنهایة: 8 / 43، شرح النهج لابن أبی الحدید: 4 / 4، تذكرة خواصّ الأُمّة: 122. قال: أی بُنی أمّا قولك لو خرجت من المدینة حین اُحیط بعثمان فواللَّه لقد اُحیط بنا كما اُحیط به، وأمّا قولك لاتبایع حتّی یأتی بیعة الأمصار فإنّ الأمر أمر أهل المدینة وكرهنا أن یضیع هذا الأمر، وأمّا قولك حین خرج طلحة والزبیر فإنّ ذلك كان وهناً علی أهل الإسلام واللَّه ما زلت مقهوراً مذ ولّیت منقوصاً لا أصل إلی شی ء ممّا ینبغی، وأمّا قولك اجلس فی بیتك فكیف لی بما قد لزمنی أو من تریدنی أترید أن أكون قبل الضبُع... وذكر الطبری أیضاً فی: 3 / 476 بأنه قام إلیه الحسن فبكی، فقال له علیّ: قد جئت تحنّ حنین الجاریة، فقال: أجل أمرتك فعصیتنی فانت الیوم تُقتل بمصبغة.... وأمّا ابن قتیبة فیقول: قال له: أما واللَّه كنت أمرتك فعصیتنی، فقال له علیّ: وما أمرتنی به فعصیتك فیه؟ قال: أمرتك أن تركب رواحلك فتلحق بمكة المشرفة فلا تتهم به، ولا تحل شیئاً من أمره فعصیتنی... وسنقف مع هذا القول إن شاء اللَّه تعالی فی الفصل القادم. أمّا النصّ الوارد فی نهج البلاغة لصبحی الصالح خطبة رقم 6 / 53 فهكذا: واللَّه لا أكونُ كالضَّبُعِ: تَنَامُ علی طُولِ اللَّدْمِ، حتّی یَصِلَ إلَیْهَا طَالِبُهَا، وَیَخْتِلَهَا رَاصِدُها، ولكنّی أَضرِبُ بالمُقْبِلِ إلی الحقِّ المُدبِرَ عَنْهُ، وبالسامع المطیع العاصی المُریب أبَداً، حتّی یأتی علیَّ یومی. فواللَّه مازلت مدفوعاً عن حقّی، مستأثراً علیَّ مُنذ قَبَضَ اللَّه نبیّه صلی الله علیه وسلم حتّی یوم الناس هذا. (وانظر أیضاً شرح النهج لمحمّد عبدة: 47 المطبعة الرحمانیة بمصر). أمّا بعد، فقد علمتم أنی لم أرد الناس حتّی أرادونی، ولم اُبایعهم حتّی أكرهونی، وأنتم ممّن أرادوا بیعتی، ولم تبایعوا لسلطانٍ غالب ولا لغرضٍ حاضر، فإن كنتم قد بایعتم مكرهین فقد جعلتم إلیَّ السبیل علیكم بإظهاركم الطاعة وكتمانكم المعصیة. وأنت یا زبیر فارس قریش، وأنت یاطلحة شیخ المهاجرین ودفعكم هذا الأمر قبل أن تدخلوا فیه كان أوسع لكم من خروجكم منه بعد إقراركم. وأمّا قولكم: إنّی قتلت عثمان بن عفان فبینی وبینكم من یحلف عنّی وعنكم من أهل المدینة ثمّ یلزم كلّ امرء بما یحتمل، وهؤلاء بنوعثمان بن عفان فلیقرّوا بطاعتی ثمّ یخاصموا قتلة أبیهم إلیَّ، وبعد فما أنتم وعثمان قُتل مظلوماً كما تقولان أنتما رجلان من المهاجرین وقد بایعتمونی ونقضتم بیعتی، واُخرجتم اُمكم من بیتها الّذی أمرها اللَّه تعالی أن تقرّ فیه، واللَّه حسبكم، والسلام. أمّا نصّ الكتاب الّذی أرسله الإمام علیّ علیه السلام إلی طلحة والزبیر مع عمران بن الحصین الخزاعی فقد ذكره أبو جعفر الاسكافی فی كتاب «المقامات» فی مناقب أمیر المؤمنین علیه السلام وكما جاء فی نهج البلاغة صبحی الصالح: الكتاب رقم 54 / 445: أمّا بعد، فقد علمتما- وإن كتمتما- أ نی لم اُرد الناس حتّی أرادونی، ولم اُبایعهم حتّی بایعونی. وإنّكما ممّن أرادنی وبایعنی. وإنّ العامّة لم تبایعنی لسلطانٍ غالب ولا لعرضِ حاضر، فإن كنتما بایعتمانی طَائِعَین فارجعا وتوبا إلی اللَّه من قریب، وإن كُنتما بایعتمانی كارهین فقد جعلتما لی علیكما السبیل بإظهاركما الطاعة وإسراركما المعصیة. ولعمری ما كنتما بأحقّ المهاجرین بالتقیة والكتمان، وإنّ دفعكما هذا الأمر من قبل أن تدخلا فیه كان أوسع علیكما من خروجكما منه، بعد إقراركما به، وقد زعمتما أ نی قتلت عثمان، فبینی وبینكما من تخلّف عنِّی وعنكما من أهل المدینة، ثمّ یلزم كلُّ امرئ بقدر ما احتمل، فارجعا أیُّها الشیخان عن رأیكما، فإنّ الآن أعظم أمركما العار، من قبل أن یتجمّع العَارُ والنار، والسلام. وانظر شرح النهج لابن أبی الحدید: 5 / 95 لتجد عین هذا اللفظ، وانظر شرح النهج لابن أبی الحدید: 1 / 181 خطبة 90 شرحه فی بهج الصباغة فصل 30 عنوان 8. ولكن لا ندری ممّن جاء ابن أعثم وغیره وبهذا الكلام؟! وإنما نقول: إنّ هؤلاء تهالكوا علی نقل كلّ كلام فصیح منسوب إلیه علیه السلام وانّ الخصم قد یحتال ویزوّر علی لسانه علیه السلام بتزویق كلامه، وهذا ما لاحظناه فی خطبة 90 و 166 و 266 وكما هو هاهنا فی خطبة 6 لمّا اُشیر علیه بأن لا یتّبع طلحة والزبیر، وقد یُنسب إلیه علیه السلام ما لغیره أو ما روی عنه فی المنام كما فی حكمة 406 فی نهج البلاغة: 4 / 95. كما أ نّه قد یُنسب الشی ء إلی غیر محلّه، أو قد یحرّف لعدم تدبّره أو لسقم نسخة مستنده. وقد شرح الكتاب جمع كثیر فمن أراد الوقوف علیها فلیراجع الذریعة: 14 / 113- 160 من أمثال شرح النهج لابن أبی الحدید وشرح النهج لابن میثم وشرح النهج للعلاّمة الخوئی والراوندی المسمی بمنهاج البراعة وشرح أبی الحسن الكیدری وشرح البیهقی إلی غیر ذلك من الشروح. ولكن المصنّف له العذر فی ذلك لأنّ الشیخ المفید فی الإرشاد: 233 الفصل 16 من الباب 3 وتذكرة الخواصّ: ب 4 / 69 وكشف الغمّة: 3 / 324 باب المناقب وغیرها نقل مثل هذا الكلام، وهو بالتالی یعطی نفس المعنی ، ولكن نحن توخّینا الدقة فی النقل والمصادر، فعلینا أن نكتب وننقل ممّا جاء به علی لسانه علیه السلام ولیس لدینا وسیلة اُخری غیر كتاب نهج البلاغة المجمع علی صحّته. أمّا بعد، فإنك قد خرجت من بیتك عاصیة للَّه تعالی ولرسوله محمّد صلی الله علیه وآله تطلبین امراً كان عنك موضوعاً، ثمّ تزعمین انك تریدین الاصلاح بین المسلمین فأخبرینی ما للنساء وقود العساكر والاصلاح بین الناس... إلی آخر الكتاب مع اختلاف یسیر فی اللفظ. ویظهر من هذا أنه كتاب ثانٍ بدلیل كلمة «ثمّ كتب» والّتی تدلّ علی التراخی عند بعض أهل اللغة. وأمّا ابن قتیبة فی الإمامة والسیاسة: 1 / 90 فقد عنونه أیضاً بعنوان كتاب علیّ إلی عائشة ولكنه ختم الكتاب بقوله علیه السلام: وارجعی إلی بیتكِ، دون ذكر: واسبلی علیك سترك، والسلام. ذكرت بعض المصادر التاریخیه أنه لم یرد الجواب، أی فما أجابوه بشی ء كما یقول ابن أعثم فی الفتوح: 1 / 468 ویقصد بذلك طلحة والزبیر كما صرّح هو بذلك، ولكنهم بعثوا إلیه برسالة أن یا أبا الحسن، قد سرت مسیراً له ما بعده، ولست براجع، وفی نفسك منه حاجة، ولست راضیاً دون أن ندخل فی طاعتك، ونحن لا ندخل فی طاعتك أبداً، واقض ما أنت قاضٍ، والسلام. قال: فأنشأ حبیب بن یساف الأنصاری یقول أبیاتاً مطلعها: أبا حسن أیقظت من كان نائماً ویقول فیها: علی نقضها من بعد ماشدّ عقدها خروج باُم المؤمنین وغدرهم وذكرهم قتل ابن عفان خدعة تعود علینا بیعة هاشمیة قال: ثمّ وثب عبداللَّه بن الزبیر فقال: أیّها الناس: إنّ علیّ بن أبی طالب هو الّذی قتل الخلیفة عثمان بن عفان... وأمّا ابن قتیبة فی الإمامة والسیاسة فیذكر ذلك فی: 1 / 90 حیث قال: فأجابه طلحة والزبیر... وأمّا فی جمهرة رسائل العرب: 1 / 379، والفتوح لابن أعثم: 2 / 301 ط حیدرآباد ففیهما: فأجابت عائشة: یا ابن أبی طالب، جلّ الأمر عن العتاب، ولن ندخل فی طاعتك أبداً، فاقض ما أنت قاضٍ، والسلام. وابن قتیبة فی: 1 / 91 یقول: وكتبت عائشة: جلّ الأمر عن العتاب، والسلام. ومن أراد التفصیل فلیراجع كتاب الجمل لأبی مخنف لوط بن یحیی ، وابن أبی الحدید فی شرح النهج: 2 / 497 أو فی شرح خطبته علیه السلام «فخرجوا یجرّون حرمة رسول اللَّه» فی ج 9. وهی الّتی خاطبت اُمّ حبیبة اُخت معاویة بن أبی سفیان عندما عملت الأخیرة شوت كبشاً وبعثت به إلی عائشة تشفّیاً بقتل محمّد بطلب دم عثمان، فقالت عائشة: قاتل اللَّه ابنة العاهرة، واللَّه لا أكلت شواءً أبداً، ثمّ ضمّت عیاله إلیها، ورعت حقّه ولم تنسه مدی الحیاة، وهو القائل لها بعد أن انتهت معركة الجمل وأدخل رأسه إلیها، قالت: من أنت ویلك؟ قال: أبغض أهلك إلیك، قالت: ابن الخثعمیة؟ قال: نعم، قالت: الحمد للَّه الّذی عافاك... انظر تذكرة خواصّ الاُمة: 114 ط النجف، التمهید والبیان: 209، الأغانی: 21 / 9، الاشتقاق: 371، الطبری وابن الأثیر وابن كثیر فی ذكر حوادث سنة (36 ه)، الإصابة حرف المیم: 3 ق 2 / 451، الاستیعاب: 3 / 328، الفتوح لأبن أعثم: 1 / 472 وما بعدها، الإمامة والسیاسة لابن قتیبة: 1 / 55 وما بعدها، تهذیب الكمال: 24 / 541 الرقم 5097، شرح النهج لابن أبی الحدید: 3 / 190. وحسب ما أظنّ أنّ محمّد بن جعفر هذا هو ابن أسماء بنت عُمیس الخثعمیة فهو إذن ابن جعفر بن أبی طالب ذوالهجرتین وذو الجناحین الّذی استشهد یوم مؤتة، وولد جعفر هم: عبداللَّه، وعون بن جعفر، ومحمّد بن جعفر، واُمهم أسماء بنت عمیس الخثعمیة والّتی كانت تحت جعفر بن أبی طالب. أمّا فی فتح الباری لأحمد فقد ذكر فی: 23 / 140 قول الإمام الحسن علیه السلام بأنّ علیاً یقول: إنی اُذكركم اللَّه رجلاً رعی اللَّه حقّاً إلّا نفر فان كنت مظلوماً أعاننی، وإن كنت ظالماً خذلنی. واللَّه إنّ طلحة والزبیر لأوّل من بایعانی ثمّ نكثا، ولم استأثر بمال، ولا بدّلت حكماً. رواه أبو یعلی فی فتح الباری: 13 / 58. وهاهو الطبری فی: 5 / 189 والكامل فی التاریخ: 3 / 118 وغیرهم نقلوا كلام الإمام الحسن علیه السلام: أیّها الناس أجیبوا دعوة أمیركم وسیروا إلی إخوانكم، فانّه سیوجد لهذا الأمر من ینفر إلیه. واللَّه لأن یلیه اُولو النهی أمثل فی العاجلة، وخیر فی العاقبة، فاجیبوا دعوتنا، وأعینونا علی ما ابتلینا به وابتلیتم... وسیأتی تفصیل ذلك. أمّا ابن أعثم فقد ذكر ذلك فی الفتوح: 1 / 462 دون إسناد المقولة إلی أحادیث رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بل قال: وثب أبو موسی الأشعری وهو یومئذٍ عامل علیها- الكوفة- فقال: یا أهل الكوفة اتقوا اللَّه (وَلَا تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ...) وقال أیضاً (وَمَن یَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ و جَهَنَّمُ...) قال: فغضب عمّار بن یاسر، ثمّ وثب أبو موسی فأسكته. ثمّ جاءت المفاجأة الثانیة من عمّار مناشداً أبا موسی الأشعری قائلاً: یا أبا موسی اُنشدك اللَّه، ألم تسمع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله یقول: من كذب علیَّ متعمداً فلیتبوّأ مقعده من النار، وأنا مسائلك عن حدیث. فإن صدقت وإلّا بعثت علیك من أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من یقرّرك به، اُنشدك اللَّه، ألیس إنّما عناك رسول اللَّه أنت نفسك فقال: انها ستكون فتنة بین أمّتی أنت- یا أبا موسی- فیها نائماً خیر منك قاعداً، وقاعداً خیر منك قائماً، وقائماً خیر منك ماشیاً، فخصّك رسول اللَّه ولم یعمّ الناس. فخرج أبو موسی ولم یرد علیه شیئاً. رواه ابن عساكر وأبو یعلی (انظر أیضاً كنز العمّال: 7 / 246، و: 11 / 274). وحدیث الفتنة الّتی یكون فیها القاعد خیر من القائم رواه أبو داود ح 4262 ولكنه لم یخصّ فیه أبا موسی . وهنالك حوار آخر نقله ابن عساكر كما فی الكنز: 13 / 608 عن أبی نجاء قال: كنت جالساً مع عمّار، فجاء أبو موسی قال: مالی ومالك، ألست أخاك؟ فقال عمار: ما أدری ولكنی سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله یلعنك لیلة الجبل؟ قال أبو موسی: قد استغفر لی، فقال عمار: قد شهدتُ اللعن ولم أشهد الاستغفار. ولهذا وغیره نجد الإمام علیّ علیه السلام یكتب رسالة إلی أبی موسی الأشعری، وهو عامله علی الكوفة، وقد بلغه عنه تثبیطه الناس عن الخروج إلیه لمّا ندبهم لحرب أصحاب الجمل. مِنْ عبداللَّه عَلِیٍّ أمیر المؤمنین إلی عبداللَّه بن قیس. أمّا بَعْدُ، فقد بلغنی عنك قولٌ هو لك وعلیك، فإذا قدم رَسُولی علیك فارفع ذیلك، واشدُد مئزرك، واخْرُجْ من جُحْرِكَ، واندُب مَنْ مَعَكَ؛ فإنْ حقّقْتَ فانفُذْ، وإنْ تفشّلْتَ فابعُدْ، وایم اللَّه لتؤتینَّ من حیثُ أنْتَ، ولا تُتركُ حتّی یُخلَطَ زُبْدُكَ بخاثِرِكَ، وذائبُكَ بجَامِدِكَ وحتّی تُعجَلَ عَنْ قعدتِكَ، وتحذر من أَمامِكَ كحذرك مِنْ خَلْفِكَ وماهی بالْهُویْنَی الّتی ترجو، ولكنّها الداهیة الكبری، یُركَبُ جَمَلُهَا، ویذلّلّ صَعْبُهَا ویُسهّلُ جَبَلُها. فاعقل عقلك واملِك أمرك، وخذ نَصیبكَ وحظّك، فإن كرهت فتنحَّ إلی غیر رحبٍ ولا فی نجاة، فبالحریِّ لتُكْفَینَّ وأنت نائم، حتّی لا یُقال: أینَ فُلانٌ؟ واللَّه إنّهُ لحقٌّ مع مُحقٍّ، وما اُبالی ما صَنَع المُلحِدُونَ، والسّلَامُ. (نهج البلاغة لصبحی الصالح: الكتاب رقم 63 / 453). أمّا الحدیث الّذی رواه الأشعری فهو مروی عن أبی هریرة كما جاء فی صحیح البخاری: 9 / 64 دار إحیاء التراث العربی: قال: قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ستكون فتن القاعد فیها خیر من القائم، والقائم فیها خیر من الماشی، والماشی فیها خیر من الساعی، من تشرّف لها تَسْتَشْرِفْهُ، فمن وجد فیها ملجأً أو معاذاً فلیعُذ به. ولا نرید التعلیق علی الراوی الیمانی الّذی اختُلف فی اسمه، فقیل: إنه عبدالرحمن، وقیل عامر، وقیل: غیر ذلك، كان من أصحاب الصفة یتصدّق علیه المسلمون وقد صحب النبیّ صلی الله علیه وآله ثلاث سنین، وقد ذكره ابن كثیر فی البدایة والنهایة: 8 / 103- 115 بقوله قال: یزید بن هارون: سمعت شعبة یقول: أبو هریرة كان یدلّس. ذكره ابن عساكر... وروی الأعمش عن إبراهیم قال: ما كانوا یأخذون بكلّ حدیث أبی هریرة. استعمله عمر بن الخطّاب فی أیام إمارته علی البحرین. وذكره الذهبی فی سیر أعلام النبلاء: 2 / 578 عن همام بن یحیی... أن عمر قال لأبی هریرة: كیف وجدت الإمارة؟ قال: بعثتنی وأنا كاره ونزعتنی وقد أحببتها. وأتاه بأربعمائة ألف من البحرین، فقال: ماجئت به لنفسك؟ قال: عشرین ألفاً، قال: من این أصبتها؟ قال: كنت ابحر، قال: انظر رأس مالك ورزقك فخذه واجعل الآخر فی بیت المال. وراجع أیضاً الإصابة: 12 / 63، وتهذیب التهذیب: 12 / 262. ونقل ابن أعثم فی الفتوح: 1 / 462 كلام عمّار بن یاسر بإضافة: وهذا ابن عمّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله یستنفركم إلی زوجة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وإلی طلحة والزبیر، فاخرجوا وانظروا فی الحقّ فمن كان الحقّ معه فاتبعوه. (وانظر تاریخ الطبری: 3 / 499 مع اختلاف یسیر فی اللفظ). وأمّا الطبری فقد ذكر أیضاً فی: 1 / 198 عن غیر طریق سیف أنّ أمیر المؤمنین علیاً بعث هاشم بن عتبة إلی الكوفة ومعه كتاب إلی أبی موسی لیشخص الناس إلی علیّ، فلمّا أبی من ذلك بعث ابنه الحسن وعمّار بن یاسر وعزل أبا موسی... وذكر فی نزول علیّ البصرة أنهم أقاموا ثلاثة أیام لم یكن بینهم قتال، یرسل إلیهم علیّ ویكلّمهم ویردعهم... وانظر أیضاً شرح النهج لابن أبی الحدید: 3 / 122، والإمامة والسیاسة: 65 وتاریخ ابن أعثم: 173 والطبعة الثانیة حیدرآباد الدكن: 2 / 300. بالإضافة إلی هذا فإنّ الطبری لم یذكر المراسلات والمحاججات والكتب الّتی دارت بینهما فی الأیام الثلاثة وانّما ذكر بعضها ابن أعثم وابن قتیبة. هذا مع العلم أنّ الإمام علیّ أرسل ابن عباس إلی الزبیر خاصّة... وهو الّذی رجع إلی الإمام وقال له: فعلمت أ نّه لیس وراء هذا الكلام إلّا الحرب، فرجعت إلی علیّ فأخبرته. (انظر العقد الفرید: 4 / 314، تهذیب ابن عساكر: 5 / 363 ط بیروت، وشرح النهج لابن أبی الحدید: 1 / 171، و: 2 / 169 تحقیق محمّد أبو الفضل، الأخبار الطوال: 1 / 195). وروی ابن أعثم فی تاریخه: 174 الطبعة الحجریة، وكذلك الطبعة الثانیة الهند حیدرآباد الدكن: 2 / 304، والمفید فی الجمل: 158 ارسال عبداللَّه بن عباس وزید بن صوحان إلی عائشة وما دار بینهما من خطابات. ونستنتج من هذا وذاك أن الّذی بعثه الإمام علیّ علیه السلام سفیراً للإصلاح هو ابن عباس وابن صوحان ولیس كما یدعی الطبری أنّ البطل فی السفارة هو القعقاع. ومن شاء أن ینظر إلی كتاب عبداللَّه بن سبأ: 136- 152 المدخل لیعرف أكثر عن حیاة القعقاع وبطولاته فی حروب الردّة وفتوح الشام والقادسیة و17 من نفس الكتاب لیری ترجمته عند العلماء أو ینظر كتاب خمسون ومائة صحابی مختلق: 1 / 95- 187 مطبعة صدر قم ط 6. لا أدری لماذا اعتمد الطبری علی راوٍ واحد، ومنه أخذ الكتّاب والمؤرّخون ووقع ابن الصبّاغ المالكی فی فخّ الطبری ونقل الاُسطورة الخرافیة والّتی بطلها عبداللَّه بن سبأ ولذا قال: حتّی إذا تمّ أمر المعسكرین علی الصلح ورأی «السبأیّون» أتباع عبداللَّه بن سبأ ذلك خافوا علی أنفسهم من مغبّة هذا الصلح فاجتمعوا سرّاً فی سواد اللیل یتشاورون، فأوعز إلیهم رئیسهم أن یندسوا بین الجیشین، فیهجم من اندسّ منهم فی جیش علیّ علی جیش عائشة، ومن اندسّ منهم فی جیش عائشة یهاجم جیش علیّ، ویثیروا الحرب فجأة، فراقت لهم الخطّة... إنّ هذه الاُسطورة خرافیة وضعها سیف بن عمر قبل سنة (170 ه) وانتشرت ولكن هذا الراوی متهم بالزندقة كما یذكر السیّد العسكری فی كتابه عبداللَّه بن سبأ: 17 ولذا أخذ ابن عساكر فی موسوعته «تاریخ مدینة دمشق» وابن أبی بكر فی «التمهید والبیان فی فضائل الخلیفة عثمان» وابن خلدون من تاریخه «المبتدأ والخبر» وسعید الأفغانی فی كتابه «عائشة والسیاسة»، وسبق وأن أوضحنا دور مروان بن الحكم فی تأجیج الحرب ضمن المصادر الّتی بأیدینا. وكعب بن سور بن بكر بن عبد الأزدی من القسامل من بنی لقیط، أسلم فی عهد النبیّ صلی الله علیه وآله ولم یصحبه فعدّوه من التابعین. ولكعب هذا قصّة عجیبة ذكرها الطبری فی: 5 / 216 وط أوربا: 1 / 3211، والاستیعاب: 221 الترجمة 933، واُسد الغابة: 4 / 242، والإصابة: 3 / 297 الترجمة: 7495، والاشتقاق: 500 وشرح النهج لابن أبی الحدید: 2 / 81 تحقیق محمّد أبو الفضل، وطبقات ابن سعد: 7 / 92 ط بیروت، والجمل للشیخ المفید: 156، والكامل للمبرّد: 3 / 242 ط مصر تحقیق إبراهیم الدلجمونی. وخلاصة هذه القصة: انّه لم یكن له رأی فی القتال وقال یومئذٍ أنا واللَّه كما قالت القائلة «یا بنیّ لا تَبن ولا تقاتل» وقیل: دخل فی بیت وطیّن علیه بابه، وجعل فیه كُوّة یتناول منه طعامه وشرابه اعتزالاً للفتنة، فقیل لعائشة: إن لم یخرج معك كعب فلم تخرج الأزد، وإن خرج معك لم یتخلّف عنهم أحد، فركبت إلیه ونادته وكلّمته ولكنه لم یجبها.... والشیخ المفید یذكر أنّ القائل لعائشة هما طلحة والزبیر... ثمّ أرسلا إلیه رسولیهما یسألانه النصرّ لهما والقتال معهما فأبی علیهما... ثمّ صارا إلیه واستأذنا علیه فلم یأذن لهما وحجبهما، فصارا إلی عائشة فخبّراها خبره، وسألاها ان تسیر إلیه فأبت.... ثمّ قال طلحة والزبیر: یا اُمّ: ان قعد عنّا كعب قعدت عنّا الازد كلّها وهی حیّ البصرة فاركبی إلیه... فركبت بغلاً وأحاط بها نفر من أهل البصرة وذهبت إلی كعب... فلمّا كان یوم الجمل خرج- كعب- مع إخوة له، قالوا: ثلاثةٌ وقالوا: أربعةٌ، وفی عنقه مصحف وفی یده عصا وفی الاُخری خطام جمل عائشة فجاءه سهم غرب فقتله وقُتل معه إخوته جمیعاً فجاءت أمّهُم حتّی وقفت علیهم فقالت: یا عین جودی بدمع سرب ومالهم غیر حین النفو نقلنا هذا الكلام من المصادر السابقة بتصرّف. وكعب قد أثّرت فیه اُمومة عائشة لانّها خاطبته بقولها: یا كعب، ألست اُمك ولی علیك حقٌّ؟ فكلّمها وخرج معها. علی أنّ قسماً من المسلمین یومذاك لم تؤثّر فیهم اُمومتها لهم لیندفعوا وراءها فی هذه الحرب، فقد كتب زید بن صوحان فی جوابها: أمّا بعد فأنا ابنك الخالص إن اعتزلت هذا الأمر ورجعت إلی بیتكِ وإلّا فأنا أول من نابذك. (راجع الطبری: 5 / 184، وشرح النهج لابن أبی الحدید: 2 / 81 الطبعة الاُولی ، والكامل فی التاریخ: 3 / 110). وها هو أبو بكرة (نُفَیع بن الحارث) یمتنع من الالتحاق بالجیش ویقول: لقد نفعنی اللَّه بكلمة- وفی روایة عصمنی اللَّه بكلمة- سمعتها من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فی قصّة أهل فارس ملكوا علیهم بنت كسری قال صلی الله علیه وآله: لن یفلح قوم ولّوا أمرهم أمرأة. (انظر المستدرك: 4 / 525، والبخاری: 3 / 63، وكتاب المغازی، و: 4 / 152، والنسائی: 4 / 305، والمفید فی كتابه الجمل: 297، والترمذی: 9 / 119، ومسند أحمد: 5 / 38- 43، و 47 و51. اذن هی لیست بأمیرة جیش الجمل بل هی أمیرة المؤمنین تنصب وتعزل من تشاء. وذكر الطبری أیضاً أنه كان علی هوازن وعلی بنی سلیم والأعجاز مجاشع بن مسعود السلمی وعلی عامر زفر بن الحارث، وعلی غطفان أعصُر بن النعمان الباهلی وعلی بكر بن وائل مالك بن مسمع، واعتزلت عبد القیس إلی علیّ إلّا رجل فإنّه أقام ومن بكر بن وائل قُیَّام واعتزل منهم مثل من بقی منهم علیهم سنان، وكانت الأزد علی ثلاثة رؤساء: صبرة بن شیمان ومسعود وزیاد بن عمرو والشواذب علیهم رجلان علی مضر الخریت بن راشد، وعلی قضاعة والتوابع الرعبی الجرمی وهو لقب، وعلی سائر الیمن ذو الآجرة الحمیری. وانظر أیضاً ابن أعثم فی الفتوح: 1 / 465 وذكر أیضاً أبا الجرباء بأنه من أصحاب الزبیر بن العوّام- وهی كنیته-. وسامة منّا فأمّا بنوه انظر الأغانی: 10 / 203، شرح النهج لابن أبی الحدید: 2 / 120 تحقیق محمّد أبو الفضل. ألا قولا لطلحة والزبیر فقال له الزبیر: بئس ما قلت یا أخا بنی ضبة... وبلغ ذلك علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه فقال: إنّ القوم قد تعبوا لحربكم، فماذا عندكم من الرأی؟ فقال له رفاعة بن شدّاد البجلی: یا أمیر المؤمنین تعبیة لتعبیة... وأنشأ ابیاتاً مطلعها: أتتك الاُمور بسعد السعود قال: ودنا علیّ فی أصحابه من البصرة، فقال طلحة بن عبیداللَّه لأصحابة: اعلموا أ یّها الناس! أنّ علیاً وأصحابه قد أضرّ بهم السفر وتعب الطریق، فهل لكم أن نأتیهم اللیلة فنضع فیهم السیف؟ فقال مروان بن الحكم: واللَّه لقد استبطأت هذه منك أبا محمّد، ولیس الرأی إلّا ما رأیت، قال: فضحك الزبیر من ذلك ثمّ قال: أمن علیّ تصاب الفرصة وهو مَن قد عرفتم؟ أما علمتم أ نّه رجل ما لقیه أحد قطّ إلّا ثكلته اُمّه؟ فسكت طلحة ولم یرد إلی الزبیر شیئاً. قال: ثمّ وثب رجل من أصحاب الزبیر یكنّی أبا الجرباء فقال للزبیر: أبا عبداللَّه أمّا الرأی عندی إلّا أن تبیتوا هذا الرجل، فإنّ الرأی فی الحرب من النجدة، فقال له الزبیر: یا أبا الجرباء إنّنا لنعرف من الحرب ما لم یعرفه كثیر من الناس... نقلنا ذلك من ابن أعثم فی الفتوح: 1 / 463- 466 بتصرّف. ونحن نسأل بدورنا الطبری وابن الأثیر وابن حزم وابن تیمیة وغیرهم: أو لم یكف هذا بأنّ القوم قد صمّموا علی الحرب مهما بذل الإمام علیّ علیه السلام من نصائح ورسائل ووفود؟! ولو أردنا استعراض كلّ الرسائل والخطب والمساجلات بینه علیه السلام وبین طلحة والزبیر وعائشة وكیفیة اعتزال الزبیر الحرب وخبر الفتی الّذی حمل المصحف إلی أصحاب الجمل یدعوهم إلیه لأصبحت كتاباً منفرداً، وقول الفتی: یا هؤلاء: هذا كتاب اللَّه عزّ وجلّ بیننا وبینكم، قال: فضرب رجل من أصحاب الجمل یده الیمنی فقطعها، فأخذ المصحف بشماله فقطعها، فاحتضن المصحف بصدره، فضرب علی صدره حتّی قُتل رحمه الله، فنظرت إلیه اُمّه وقد قتل فأنشأت أبیاتاً: یا رب إنّ مسلماً أتاهم وقام ابن عمّ له یرثیه بقوله: تناوله شقیّ منهم بضربه انظر الأبیات الاُولی والثانیة فی تاریخ الطبری: 5 / 206 و 216، و: 3 / 522 باختلاف یسیر، ومروج الذهب: 2 / 9 و 13. وهاهو مروان یقول للإمام علیّ بن الحسین علیه السلام: ما رأیت أحداً أكرم غلبة من أبیك، ما هو إلّا أن ولّینا یوم الجمل فنادی منادیه: لا یُقتل مدبر ولا یذفّف علی جریح. (السنن الكبری للبیهقی: 8 / 181). ولسنا بصدد بیان كلّ ما جاء عنه علیه السلام فی وصایاه وخطبه لأصحابه یوم الجمل وكذلك یوم صفّین وغیرهما لأن سیرته علیه السلام مع معارضیه واضحة جداً لا غبار علیها، ولم یبدأ الحرب حتّی یبدأوه بالقتال، وحین ینتصر یعفو عنهم وعن أموالهم. وهاهی عائشة تسیر بعد الجمل معزّزة مكرّمة إلی المدینة ویصفه ابن أبی الحدید فی شرحه: 10 / 228 فیقول: كان علیّ علیه السلام لا یستعمل فی حربه إلّا ما وافق الكتاب والسنّة، وكان معاویة یستعمل خلاف الكتاب والسنّة... ثمّ قال: وعلیّ علیه السلام یقول: لا تبدأوهم بقتال حتّی یبدأوكم، ولا تتبعوا مدبراً، ولا تجهزوا علی جریح، ولا تفتحوا باباً مغلقاً. وقال القاضی أبو یوسف فی كتابه الخراج: 215: إنّ الصحیح عندنا من الأخبار عن علیّ علیه السلام أ نّه لم یقاتل قوماً قط من أهل القبلة ممن خالفه حتّی یدعوهم، وانّه لم یتعرّض بعد قتالهم وظهوره علیهم لشی ء من مواریثهم ولا لنسائهم ولا لذراریهم، ولم یقتل منهم أسیراً، ولم یذفّف منهم علی جریح، ولم یتّبع منهم مدبراً. وجاء مثل هذا فی كتاب اُصول الدین لأبی منصور التمیمی البغدادی: 284 نقلاً عن الإحقاق: 8 / 550، والسنن الكبری للبیهقی: 8 / 181، والطبری فی تاریخه: 3 / 545 كما ذكرنا سابقاً بإضافة فقال قوم یومئذٍ: ما یُحلّ لنا دماءهم، ویحرّم علینا أموالهم؟ فقال علیه السلام: القوم أمثالكم، من صفح عنّا فهو منّا ونحن منه، ومن لجّ حتّی یصاب فقتاله منّی علی الصدر والنحر، وأنّ لكم فی خمسه لغنی. وقال جورج جرداق فی كتابه الإمام علیّ صوت العدالة الإنسانیة: 1 / 82: ومروءة الإمام أندر من أن یكون لها مثل فی التاریخ، وحوادث المروءة فی سیرته أكثر من أن تعدّ، ومنها: أ نّه أبی علی جنده أن یقتلوا عدوّاً تراجع، وأن یتركوا عدوّاً جریحاً فلا یسعفوه، كما أبی علیهم أن یكشفوا ستراً أو أن یأخذوا مالاً. ومنها: أ نّه صلّی فی وقعة الجمل علی القتلی من أعدائه وسأل لهم الغفران.... (انظر مستدرك الوسائل: 2/251 و252 وروی الیعقوبی فی تاریخه: 2/180 والمسعودی فی مروجه بهامش ابن الأثیر: 5/188، وابن أعثم فی تاریخه: 175، والأغانی: 16 / 127، وأبو مخنف فی الجمل بروایة ابن أبی الحدید فی شرحه للنهج: 2 / 480 وفی عباراتهم بعض الاختلاف قالوا: لمّا تزاحف الناس یوم الجمل والتقوا قال علیٌّ: لا تقاتلوا القوم حتّی یبدأوكم، فإنّكم بحمد اللَّه علی حجّة وكفاكم عنهم حتّی یبدأوكم حجّة اُخری، وإذا قاتلتموهم فلا تجهزوا علی جریح، وإذا هزمتموهم فلا تتبعوا مدبراً، ولا تكشفوا عورةً، ولا تمثّلوا بقتیلٍ، وإذا وصلتم إلی رحال القوم فلا تهتكوا ستراً ولا تدخلواً داراً، ولا تأخذوا من أموالهم شیئاً. روی هذان الحدیثیان بألفاظ مختلفة ولكنها تؤدّی نفس المعنی ، ونحن لسنا بصدد بیان وتحقیق هذین الحدیثین ولكن نذكرهما باختصار إشارة إلی إخبار الرسول صلی الله علیه وآله الزبیر بن العوّام بأ نّه یقاتل علیاً علیه السلام وهو ظالم له. فقد جاء فی الإصابة لابن حجر: 3 / 6: روی أبو یعلی من طریق أبی جرو المازنی قال: شهدت علیاً علیه السلام والزبیر توافیا یوم الجمل فقال له علیّ علیه السلام اُنشدك اللَّه أسمعت رسول اللَّه علیه السلام یقول: إنك تقاتل علیاً وأنت ظالم له؟ قال: نعم ولم أذكر ذلك إلّا الآن، فانصرف. ورواه الحاكم فی المستدرك: 3 / 367 بطریقین عن المازنی، ورواه أیضاً المتقی فی كنز العمّال: 6 / 85. وجاء فی تهذیب التهذیب: 6 / 325: خلا علیّ علیه السلام بالزبیر یوم الجمل فذكر حدیث: لتقاتلنه وأنت ظالم له. وذكره العسقلانی فی فتح الباری: 16 / 165. وفی الكنز: 6 / 82 ورد هكذا: عن قتادة قال: لمّا ولّی الزبیر یوم الجمل بلغ علیاً علیه السلام فقال: لو كان ابن صفیة یعلم أ نّه علی الحقّ ما ولّی وذلك أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله لقیهما فی سقیفة بنی ساعدة فقال: أتحبّه یا زبیر؟ قال: وما یمنعنی؟ قال: فكیف بك إذا قاتلته وأنت ظالم له؟ قال: فیرون أ نّه إنّما ولی لذلك، قال: أخرجه البیهقی فی الدلائل. وفی الكنز أیضاً قال: عن أبی الأسود الدؤلی قال: لمّا دنا علیّ علیه السلام وأصحابه من طلحة والزبیر ودنت الصفوف بعضها من بعض خرج علیّ علیه السلام وهو علی بغلة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فنادی: ادعوا لی الزبیر بن العوّام فدعی له الزبیر فأقبل، فقال علیّ علیه السلام: یا زبیر نشدتك باللَّه أتذكر یوم مرّ بك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ونحن فی مكان كذا وكذا فقال: یا زبیر تحبّ علیاً؟ فقلت: ألا اُحبّ ابن خالی وابن عمّتی وعلی دینی؟ فقال: یا علیّ أتحبّه؟ فقلت: یا رسول اللَّه ألا أحبّ ابن عمّتی وعلی دینی؟ فقال: یا زبیر أمّا واللَّه لتقاتلنه وأنت ظالم له؟ فقال: بلی واللَّه لقد نسیته منذ سمعته من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ثمّ ذكرته الآن، واللَّه لا اُقاتلك. فرجع الزبیر فقال له ابنه عبداللَّه: مالك؟ فقال: ذكّرنی علیّ حدیثاً سمعته من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله سمعته یقول: لتقاتلنه وأنت ظالم فلا اُقاتله، قال: وللقتال جئت؟ إنما جئت تصلح بین الناس ویصلح اللَّه هذا الأمر بك، قال: لقد حلفت أن لا اُقاتله، قال: فأعتق غلامك وقف حتّی تصلح بین الناس، فأعتق غلامه ووقف، فلمّا اختلف أمر الناس ذهب علی فرسه. وفی مستدرك الصحیحین: 6 / 366 بسنده عن قیس بن أبی حازم وكذلك عن أبی الأسود. ورواه صاحب اُسد الغابة: 2 / 199 فی ترجمة الزبیر وساق الحدیث... قال: وشهد الزبیر الجمل مقاتلاً لعلی علیه السلام فناداه علیّ علیه السلام ودعاه فانفرد به وقال له: أتذكر إذ كنت أنا وأنت مع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله؟ فنظر إلیَّ وضحك وضحكت فقلت أنت: لا یدع ابن أبی طالب زهوه، فقال: لیس بزهوه، ولتقاتلنه وأنت ظالم له؟ فذكر الزبیر ذلك فانصرف عن القتال. ومثله فی الاستیعاب لابن عبدالبر: 1 / 203 باختلاف یسیر فی اللفظ. وجاء فی كتاب الإمامة والسیاسة لابن قتیبة: 1 / 92 الطبعة الاُولی منشورات الشریف الرضی فی قصة أهل الجمل قال: ثمّ خرج علیّ علی بغلة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الشهباء بین الصفین، وهو حاسر فقال: أین الزبیر؟ فخرج إلیه، حتّی إذا كانا بین الصفّین اعتنق كلّ واحد منهما صاحبه وبكیا، ثمّ قال علیّ:یا أبا عبداللَّه ما جاء بك هاهنا؟ قال: جئت أطلب دم عثمان، قال علیّ: تطلب دم عثمان، قتل اللَّه من قتل عثمان؟! اُنشدك اللَّه یا زبیر، هل تعلم أنك مررت بی وأنت مع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وهو متّكئ علی یدك فسلّم علیَّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وضحك إلیَّ، ثمّ التفت إلیك، فقال لك: یا زبیر إنك تقاتل علیاً وأنت له ظالم؟ قال: اللّهمّ نعم، قال علیّ: فعلام تقاتلنی؟ قال الزبیر: نسیتها واللَّه، ولو ذكرتها ما خرجت إلیك ولا قاتلتك، فانصرف علیّ إلی أصحابه. وروی هذا الحدیث أیضاً ابن كثیر فی البدایة: 7 / 268، والبیهقی كما ذكرنا سابقاً فی الدلائل: 6 / 414 وتاریخ الطبری: 5 / 200، وابن أعثم فی الفتوح: 1 / 473 بإضافة.... فوقف علیّ رضی الله عنه بین الصفّین، علیه قمیص ورداء وعلی رأسه عمامة سوداء (وقیل خضراء) وهو یومئذٍ علی بغلة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الشهباء الّتی یقال لها دُلدُل، ثمّ نادی بأعلی صوته: أین الزبیر بن العوّام؟ فلیخرج إلیَّ... ثمّ نادی الثانیة: أین الزبیر بن العوّام؟ فلیخرج إلیَّ. قال: فخرج إلیه الزبیر، ونظرت عائشة فقالت: واثكل أسماء، فقیل لها: یا اُمّ المؤمنین لیس علی الزبیر بأس، فإنّ علیاً بلا سلاح... أمّا صاحب مروج الذهب: 2 / 371 فأضاف (... فقال له علیّ علیه السلام: ویحك یا زبیر ما الّذی أخرجك؟ وأضاف أیضاً بعد أن ذكر المحاورة بینهما: فرجع الزبیر وهو یقول: اخترتُ عاراً علی نارٍ مؤجَّجة نادی علیٌّ بأمر لست أجهله فقلت: حسبك من عَذْل أبا حسن وانظر المناقب لابن شهرآشوب: 3 / 155 وأعیان الشیعة: 1 / 456. ووردت فی مروج الذهب: 2 / 400 ط اُخری بلفظ «اخذت» بدل «اخترت». راجع المستدرك: 3 / 366، الأغانی لأبی الفرج: 16 / 131 و132، العقد الفرید: 2 / 279، مروج الذهب: 2 / 363، الكامل لابن الأثیر:2 / 122، مطالب السؤول: 41، الریاض النضرة: 2 / 273، مجمع الزوائد: 7 / 235، تذكرة الخواصّ: 70، الخصائص الكبری للسیوطی: 2 / 137، السیرة الحلبیة: 3 / 315، شرح المواهب للزرقانی: 3 / 318، و: 7 / 217، المواهب اللدنیة للقسطلانی: 2 / 190، شرح الشفا للخفاجی: 3 / 165، الغدیر للأمینی: 3 / 191، و:9 / 101 وتاریخ الطبری: 5 / 200- 204. قال: فغضب الزبیر من ذلك ثمّ صاح بفرسه وحمل علی أصحاب علیّ حملة منكرة، فقال علی رضی اللَّه عنه: اخرجوا له فإنّه محرَّج، فأوسعوا له حتّی شقّ... وانظر تهذیب ابن عساكر: 5 / 365، وحلیة الأولیاء: 1 / 91، ومروج الذهب: 2 / 10 أمّا فی الإمامة والسیاسة لابن قتیبة: 1 / 93 ففیه:... وإنی لعلی باطل.... فمثلاً ذكر ابن أعثم فی الفتوح: 1 / 475 قال: ثمّ مضی الزبیر وتبعه خمسة من الفرسان فحمل علیهم وفرّق جمعهم... ومضی حتّی صار إلی وادی السباع فنزل علی قوم من بنی تمیم فقام إلیه- وقد ذكره الطبری: 3 / 511 باسم: عمیر بن جرموز، ولكن فی: 521 جاء باسم: عمرو بن جرموز المجاشعی- فقال: أبا عبداللَّه كیف تركت الناس؟ فقال الزبیر: تركتهم قد عزموا علی القتال، ولا شكّ قد التقوا. قال: فسكت عنه عمرو بن جرموز وأمر له بطعام وشی ء من لبن، فأكل الزبیر وشرب، ثمّ قام فصلّی وأخذ مضجعه، فلمّا علم ابن جرموز أن الزبیر قد نام وثب إلیه وضربه بسیفه ضربة علی اُمّ رأسه فقتله، ثمّ احتزّ رأسه وأخذ سلاحه وفرسه وخاتمه، ثمّ جاء به بین یدی علیّ بن أبی طالب (رض) وأخبره بما صنع بالزبیر. قال: فأخذ علیّ رضی الله عنه سیف الزبیر وجعل یقبّله وهو یقول: إنّه لسیف طالما جلی الكروب عن وجه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ولكن الحین والقضاء. ثمّ أقبل علی عمرو بن جرموز فقال ویحك لم قتلته؟ فقال: قتلته واللَّه وأنا أعلم أنّ ذلك مما یرضیك، ولولا ذلك لما قدمت علیه، فقال علیّ (رض): ویحك! فإنّی سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله یقول: بشّر قاتل ابن صفیة بالنار. قال: فوثب عمرو بن جرموز من بین یدی علیّ رضی الله عنه وهو یقول: لا واللَّه ما ندری اُنقاتل معكم أم علیكم. ثمّ انصرف عن علیّ وهو یقول أبیاتاً مطلعها. أتیت علیاً برأس الزبیر فبشَّر بالنار قبل العیان وذكر ابن قتیبة فی الإمامة والسیاسة: 1 / 93 أنّ ابن جرموز سأل الزبیر فقال: یا أبا عبداللَّه، احییت حرباً ظالماً أو مظلوماً ثمّ تنصرف؟ أتائب أنت أم عاجز؟ فسكت عنه، ثمّ عاود، فقال له: یا أبا عبداللَّه، حدّثنی عن خصال خمس أسألك عنها، فقال: هات، قال: خذلك عثمان، وبیعتك علیاً، وإخراجك اُمّ المؤمنین، وصلاتك خلف ابنك، ورجوعك عن الحرب، فقال الزبیر: نعم اُخبرك، أمّا خذلی عثمان فأمر قدّر اللَّه فیه الخطیئة وأخّر التوبة، وأمّا عائشة فأردنا أمر وأراد اللَّه غیره، وأمّا صلاتی خلف ابنی فإنما قدّمته عائشة اُمّ المؤمنین ولم یكن لی دون صاحبی أمر، وأمّا رجوعی عن هذه الحرب فظنّ بی ما شئت غیر الجبن... وذكر ذلك أیضاً صاحب البدایة والنهایة: 7 / 277 بإضافة: فاتّبعه عمرو بن جرموز وفضالة بن حابس ونفیع فی طائفة من غواة بنی تمیم. وذكر الطبری فی: 3 / 540 حوادث سنة 36 ه مثل ذلك بإضافة: كان معه- یعنی الزبیر- غلام یدعی عطیة- قال لابن جرموز: مایهولك من رجل وحضرت الصلاة؟ فقال ابن جرموز الصلاة فقال الزبیر: الصلاة، فنزلا واستدبره ابن جرموز فطعنه من خلفه فی جرباة درعه فقتله وأخذ فرسه وخاتمه وسلاحه وخلّی عن الغلام فدفنه بوادی السباع... وذكر المسعودی فی مروج الذهب: 2 / 362 وأبو مخنف كلاهما قالا: فجاء بسیفه إلی علیّ فقال: واللَّه ما كان ابن صفیة جباناً ولا لئیماً ولكن الحینُ ومصارع السوء، ثمّ أخذ سیفه وهزّه وقال: سیف طالما... فقال ابن جرموز: الجائزة یا أمیر المؤمنین! فقال: أمّا انّی سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله یقول: قاتل ابن صفیه فی النار. فخرج ابن جرموز خائباً وقال ابیاتاً: أتیت علیاً برأس الزبیر... وفی آخرها. لسیّان عندی قتل الزبیر وخرج ابن جرموز علی علیّ مع أهل النهروان فقتله معهم. وقیل هو قتل نفسه بعد ما سمع قول الرسول صلی الله علیه وآله من فمّ علیّ علیه السلام. اعتمدنا فی ذلك علی المصادر التالیة: تاریخ الطبری: 5 / 199، و: 3 / 540 ط اُخری، الأغانی: 16 / 126، أبو مخنف علی روایة ابن أبی الحدید فی الشرح: 1 / 78، تاریخ ابن أعثم: 1 / 281 ط حیدرآباد، مروج الذهب: 2 / 362، تهذیب ابن عساكر: 5 / 364، الاستیعاب:203، اُسد الغابة: 2 / 199، ابن الأثیر فی تاریخه: 3 / 94، العقد الفرید: 4 / 322، المستدرك: 3 / 366، كنز العمّال: 6 / 82 ح 1283 و 1290 و1318- 1320، الذهبی فی النبلاء: 1 / 38، تاریخ الیعقوبی: 2 / 158، الإصابة: 1 / 527 الترجمة 2789، مسند أحمد: 165. وقال ابن قتیبة فی الإمامة والسیاسة: 1 / 97: إنّ علیاً خرج إلیهم بعد سبعة أیام فهزمهم، فلمّا رأی طلحة ذلك رفع یدیه إلی السماء وقال: اللّهمّ إن كنّا قد داهنّا فی أمر عثمان وظلمناه فخذ له الیوم منّا حتّی ترضی، قال: فما مضی كلامه حتّی ضربه مروان ضربة أتی منها علی نفسه. ولا ندری بماذا نفسّر قول الطبری فی تاریخه: 3/519 فقذ ذكر وجاء طلحة سهم غَرب یخل ركبته بصفحة الفرس فلمّا امتلأ مَوْزجه دماً وثقل قال لغلامه: اردفنی وامسكنی... وقال فی ص 534: قال طلحة یومئذٍ: اللّهمّ اعط عثمان منّی حتّی یرضی فجاء سهم غَرب وهو واقف فخل ركبته بالسرج وثبت حتّی امتلأ مَوْزجه دماً... ولكن نترك للقارئ الكریم هو یفسّر ذلك ونحن علینا نقل المصادر الّتی ذكرت أنه سهم مسموم أطلقه علیه مروان بن الحكم. فهذا ابن عبدالبرّ والیعقوبی وابن عساكر وابن عبد ربه وابن الأثیر وابن حجر فی الإصابة:2 / 222 یقولون: فلمّا اشتبكت الحرب قال مروان: لا أطلب بثاری بعد الیوم ثمّ رماه طلحة بسهم فأصاب ركبته فما رقی الدم حتّی مات، وقال: لا یختلف العلماء الثقات: فی انّ مروان قتل طلحة یومئذٍ وكان فی حزبه. وفی طبقات ابن سعد: قال طلحة: واللَّه ما یلفت إلینا سهامهم. وروی أیضاً: كان مروان مع طلحة فی الخیل فرأی فرجةً فی درع طلحة فقتله. وروی أیضاً: فلمّا رأی انكشاف الناس نظر إلی طلحة واقفاً فقال: واللَّه إنّ دم عثمان عند هذا، وهو كان اشدّ الناس علیه وما أطلب أثراً بعد عین، ففوّق له سهماً فقتله. وفی المستدرك: 3 / 371، وابن عساكر فی تهذیبه: 7 / 84، واُسد الغابة: 3 / 60: فالتفت إلی أبان بن عثمان وهو معه، فقال: لقد كفیتك أحد قتلة أبیك... وقال مروان لغلامه اُرید أن أرمیه واُریح المسلمین من شرّه، فلو تقدّمت أمامی وحجبتنی كی لا اُری فیُعْلَمُ أ نّی رمیته... فأخرج مروان سهماً مسموماً من كنانته فرماه فشكّ قدمه إلی ركابه... وروی المدائنی ذلك وأضاف (لمّا أدبر طلحة وهو جریح یرتاد مكاناً ینزله جعل یقول لمن یمرّ به من أصحاب علیّ: أنا طلحة من یجیرنی- یكررها-... وقالوا: ثمّ مات ودفنوه بالسبخة. وقال ابن عبد ربه فی العقد الفرید: 4 / 321 وابن عبد البرّ فی الاستیعاب: 207 والذهبی فی النبلاء: 1 / 82: إنّه أوّل قتیل. وانظر شرح النهج لابن أبی الحدید: 2 / 431.
وسط المذاد مجالد ومخاتل
فرد فما منّی له الدهر ثانیة
غیر طعن الكلی وضرب الرقاب
فقد هجت بالرأی السحیق الأفاعیا
م شفاها وكان كیدی ضعیفا
نجبك كأننا دفاع بحر
وكلّ ما یدعی إلی الحقّ یسمع
فقصراهم فیها فضائح أربع
وعیب علینا تلك فی الحق أشنع
هم قتلوه والمخادع یُخدع
وعودهما فیما یكیدان خروع
علی فتیة من خیار العرب
س أیّ أمیری قریش غلب
فأمرهم عندنا مظلم
وقولاً للذین هم النصار
وسرت إلی الفئة الناكثة
بمحكم التنزیل إذ دعاهم
أبان بها یمناه حتّی تصوب
ما ان یقوم لها خلق من الطین
عار لعمرك فی الدّنیا وفی الدین
فبعضُ هذا الّذی قد قلت یكفینی
وقد كنت أرجو به الزلفه
وبئس بشارة ذی التحفه
وضرطة عنز بذی الجحفة